للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان أبو حرب يظهر بالنهار، فيقعد على الجبل الذي أوى إليه مبرقعاً، فيراه الرائي، فيأتيه، فيذكره، ويحرضه على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويذكر السلطان وما يأتي إلى الناس، ويعيبه. فما زال ذلك دأبه حتى استجاب له قوم من حراثي أهل تلك الناحية، وأهل القرى. وكان يزعم أنه أموي. فقال الذين استجابوا له: هذا السفياني. فلما كثرت غاشيته وتباعه من هذه الطبقة من الناس دعا أهل البيوتات من تلك الناحية، فاستجاب له منهم جماعة من رؤساء اليمانية منهم رجل يقال له: ابن بيهس، وكان مطاعاً في أهل اليمن، ورجلان آخران من أهل دمشق. فاتصل الخبر بالمعتصم، وهو عليل علته التي مات فيها، فوجه إليه رجاء بن أيوب الحضاري في زهاء ألف رجل من الجند. فلما صار إلى رجاء إليه وجده في عالم من الناس فذكر الذي أخبر بقصته أنه كان في زهاء مائة ألف فكره رجاء مواقعته، وعسكر بحذائه، حتى إذا كان أول عمارة الناس الأرضين وحراثتهم انصرف من كان من الحراثين مع أبي حرب إلى حراثته، وأرباب الأرضين إلى أراضيهم، وبقي أبو حرب في نفر في زهاء ألف أو ألفين ناجزه رجاء الحرب، فالتقى العسكران، عسكر رجاء وعسكر المبرقع، فلما التقوا تأمل رجاء عسكر المبرقع، فقال لأصحابه: ما أرى في عسكره رجلاً له فروسية غيره، وإنه سيظهر لأصحابه من نفسه بعض ما عنده من الرجلة، فلا تعجلوا عليه. قال: فكان الأمر كما قال رجاء، فما لبث المبرقع أن حمل على عسكر رجاء، فقال رجاء لأصحابه: أفرجوا له. فأفرجوا له حتى جاوزهم، ثم كر راجعاً إلى عسكره نفسه. ثم أمهل رجاء، وقال لأصحابه: إنه سيحمل عليكم مرة أخرى، فأفرجوا له، فإذا أراد أن يرجع فحولوا بينه وبين ذلك، وخذوه. ففعل المبرقع ذلك؛ حمل على أصحاب رجاء، فأفرجوا له حتى جاوزهم، ثم كر راجعاً، فأحاطوا به، وأخذوه، وأنزلوه عن دابته.

قال: وقد كان قدم على رجاء حين كان ترك معاجلة المبرقع من قبل المعتصم

<<  <  ج: ص:  >  >>