أحلّ منه، وإن كانت من بيت مال المسلمين فلي فيها شركاء ونظراء إن وازيتهم بي، وإلا فلا حاجة لي بها. إن بني إسرائيل لم يزالوا على الهدي والتقى، حيث كان أمراؤهم يأتون إلى علمائهم رغبة في علمهم، فلما أنكسوا وانتكسوا، وسقطوا من عين الله تعالى، وآمنوا بالجبت والطاغوت، فكان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم، فشاركوهم دنياهم، وشركوا معهم في فتكهم. فقال ابن شهاب: يا أبا حازم، لعلك إياي تعني أو بي تعرّض، فقال: ما إياك اعتمدت، ولكن هو ما تسمع، قال: سليمان: يا ابن شهاب، تعرفه؟ قال: نعم، جاري منذ ثلاثين سنة، ما كلمته كلمة قط، قال أبو حازم: إنك نسيت فنسيتني، ولو أحببت لأحببتني، قال ابن شهاب: يا أبا حازم، شتمتني، قال سليمان: ما شتمك، ولكن أنت شتمت نفسك، أما علمت أن للجار على الجار حقاً كحق القرابة يجب؟ فلما ذهب قال رجل من جلساء سليمان: أتحب أن الناس كلهم مثله؟ قال سليمان: لا.
وفي حديث آخر: أن أبا حازم دخل على سليمان بن عبد الملك بالشام في نفر من العلماء، فقال سليمان: يا أبا حازم، ألك مال؟ قال: نعم لي مالان، قال: ما هما بارك الله لك؟ قال: الرضا بما قسم الله تعالى لي، والإياس عما في أيدي الناس، قال: يا أبا حازم، ارفع لي حاجتك، قال: هيهات، رفعتها إلى من لا تختزل الحوائج دونه، فما أعطاني شكرت، وما منعني صبرت، مع أني رأيت الأشياء شيئين: فشيء لي وشيء لغيري، فما كان لي فلو جهد الخلق أن يردوه عني ما قدروا، وما كان لغيري فما نافست فيه أهله فيما مضى، فكيف فيما بقي؟ كما منع غيري في رزقي كذلك منعت رزق غيري. قال: يا أبا حازم، ما المخرج مما نحن فيه؟ قال: بالصغير الأمر، تنظر ما كان في يدك مما ليس بحق فتردّه إلى أهله، وما لم يكن لك لم تنازع فيه غيرك، قال سليمان: ومن يطيق هذا؟ قال أبو حازم: من خاف النار، ورجا الجنة، قال: يا أبا حازم، ادع الله لي، قال: ما ينفعك أن أدعو في وجهك، ويدعو عليك مظلوم من وراء الباب، فأي الدعاء أحقّ أن يجاب؟ فبكى سليمان وقام أبو حازم.