بكرسي، فقال له الشعبي: مَن هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: نحن الخلفاء فلا نُسأل، فأخجله.
قال الشعبي:
لما قدم الحجاج الكوفة قال لابن أبي مسلم: اعرض عليّ العرفاء، فعرضهم عليه، فرأى فيهم وُخْشاً من وَخْش الناس، قال: ويحك! هؤلاء خلفاء الغزاة في عيالهم؟! قال: نعم، قال: اطرحهم واغدُ علي بالقبائل، فغدا عليه بالقبائل على راياتها، فجعلوا يُعرَضون عليه، فإذا وقعت عينه على رجل دعاه، فدعا بالشعبيين، فمرت به السنّ الأولى، فلم يدع منهم أحداً. ومرّت السنّ الثانية فدعاني، فقال: من أنت؟ فأخبرته، فقال: اجلس، فجلست، فقال: قرأت القرآن؟ قلت: نعم: قال: فرضتّ الفرائض؟ قلت: نعم، قال: فما تقول في كذا وكذا، في قول أبي تراب؟ فأخبرته، فقال: أصبت، فقال لي: نظرت في العربية؟ فقتل: نعم. قال: رويت الشعر؟ قلت: قد نظرت في معانيه، قال: نظرت في الحساب؟ قلت: نعم، فقال ابن أبي مسلم: إنا لنحتاج إليه في بعض الدواوين، قال: رويت مغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: نعم، قال: حدثني بحديث بدر، قال: فابتدأت له من رؤيا عاتكة حتى أذن المؤذن الظهر، ثم دخل وقال لي: لا تبرح، فخرج فصلى الظهر وأتممتها له، فجعلني عريفاً على الشعبيين، ومَنكِباً على جميع هَمْدان، وفرض لي في الشرف. فلم أزل عنده بأحسن منزلة حتى كان عبد الرحمن بن الأشعث، فأتاني قراء أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا عمرو، إنك زعيم القراء، فلم يزالوا حتى خرجت معهم، فقمت بين الصَّفَّين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء قد علمتها، قال: فبلغني أنه قال: ألا تعجبون من هذا الشعبي الخبيث الذي جاءني وليس في الشرق من قومه، فألحقته بالشرف، وجعلته عريفاً على الشعبيين، ومَنكباً على جميع همدان، ثم خرج مع عبد الرحمن يحرض علي! أما لئن أمكن الله منه لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مَسْك حَمَل. قال: فما لبثنا أن هربنا، فجئت إلى بيتي فدخلته،