للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا نحن بالشيخ العذري يسوق ناقة أخرى فقال: ابغوني شفرة. قال: فقلنا: إن عندنا من اللحم ما ترى فقال: أبحضرتي تأكلون الغاب؟! ناولوني الشفرة فوجأ في لبتها ثم قال: شأنكم بها، وبقينا اليوم الثالث، فإذا نحن بالعذري يسوق أخرى فقال: أي قوم، ابغوني شفرة فقلنا: إن معنا من اللحم ما ترى، قال: أبحضرتي تأكلون الغاب؟! إني لأحسبكم قوماً لئاماً، ناولوني الشفرة فناولناه، فوجأ في لبتها ثم قال: شأنكم بها. قال: وأخذنا في الرحيل، فقال ابن جعفر لخازنه: ما معك؟ قال: رزمة ثياب وأربع مئة دينار. قال: اذهب بها إلى الشيخ العذري، فذهب بها فإذا جارية في الخباء فقال: يا هذه، خذي هدية ابن جعفر، قالت: إنا قوم لا نقبل على قرانا أجراً، فجاء إلى ابن جعفر فأخبره فقال: عد إليها، فإن هي قبلت وإلا فارم بها على الخيمة، فعاودها فقالت: اذهب عنا، فوالله لئن جاء شيخي فرآك ها هنا لتلقن منه أذى، فرمى بالرزمة والصرة على باب الخباء، ثم ارتحلنا، فما سرنا إلا قليلاً حتى إذا نحن بالشيخ العذري ومعه الصرة والرزمة فرمى بذلك إلينا ثم ولى مدبراً، فجعلنا ننظر في قفاه هل يلتفت فهيهات. فكان جعفر يقول: ما غلبنا بالسخاء إلا الشيخ العذري.

جاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر بدجاجة مسموطة في مكتل، فقالت: بأبي أنت، هذه الدجاجة كانت مثل بنيتي، آكل من بيضها وتؤنسني، فآليت أن لا أدفنها إلا في أكرم موضع أقدر عليه، ولا والله ما في الأرض موضع أكرم من بطنك. قال: خذوها منها، واحملوا إليها من الحنطة كذا ومن التمر كذا، وأعطوها من الدراهم كذا، فعدد شيئاً. فلما رأت ذلك قالت: بأبي " إن الله لا يحب المسرفين ".

قال ابن أبي الفخر: سمنت بهمة لي ثم خرجت بها أبيعها، فمررت بعبد الله بن جعفر. قال: يا صاحب البهمة، أتبيع؟ قلت: لا والله ولكن هي لكم، ثم انصرفت وتركته، فأقمنا أياماً، ثم إذا الحمالون على الباب، فإذا عشرون يحملون حنطة، وعشرة يحملون زيتاً، وخمسة يحملون كسوة، وواحد يحمل مالاً حتى أدخلت علينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>