فيها: فقيل له: إن عبد الله بن جعفر لا يرام، ومنزلته من الخاصة والعامة ومنك ما قد علمت، وأنت لا تستجيز إكراهه وهو لا يبيعها بشيء أبداً، وليس يغني في هذا إلا الحيلة، قال: انظروا لي رجلاً عراقياً له أدب وظرف ومعرفة، فطلبوه فأتوه به. فلما دخل رأى بياناً وحلاوة وفهماً. فقال يزيد: إنني دعوتك لأمر إن ظفرت به فهو حظوتك آخر الدهر ويد أكافئك عليها إن شاء الله، ثم أخبره بأمره فقال له: إن عبد الله بن جعفر ليس يرام ما قبله إلا بالخديعة، ولن يقدر أحد على ما سألت، فأرجو أن أكونه، والقوة بالله فأعني بالمال. قال: خذ ما أحببت، فأخذ من طرف الشام وثياب مصر، واشترى متاعاً للتجارة من رقيق ودواب وغير ذلك، ثم شخص إلى المدينة فأناخ بعرصة عبد الله بن جعفر، واكترى منزلاً إلى جانبه ثم توسسل إليه وقال: رجل من أهل العراق قدمت بتجارة فأحببت أن أكون في عز جوارك وكنفك إلى أن أبيع ما جئت به، فبعث عبد الله إلى قهرمانة أن أكرم الرجل ووسع عليه في نزله، فلما اطمأن العراقي سلم عليه أياماً وعرفه نفسه وهيأ له بغلة فارهة وثياباً من ثياب العراق، وألطافاً، فبعث بها إليه وكتب معه: يا سيدي، إني رجل تاجر ونعمة الله علي سابغة، وقد بعثت إليك بشيء من لطف، وكذا وكذا من الثياب والعطر، وبعثت ببغلة خفيفة العنان وطيئة الظهر فاتخذها لرحلك، فأنا أسألك بقرابتك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قبلت هديتي ولم توحشني بردها، فإني أدين الله بمواصلتك، فأمر عبد الله بقبض هديته وخرج إلى الصلاة. فلما رجع مر بالعراقي في منزله فقام إليه وقبل يده واستكثر منه، فرأى أدباً وظرفاً وفصاحة فأعجب به، وسر بنزوله عليه، فجعل العراقي في كل يوم يبعث إلى عبد الله بلطف يطرفه، فقال عبد الله: جزى اله ضيفنا هذا خيراً، فقد ملأنا شكراً، وما نقدر على مكافأته.
فإنه لكذلك إلى أن دعاه عبد الله ودعا بعمارة وبجواريه. فلما طاب لهما المجلس وسمع غناء عمارة تعجب، وجعل يزيد في عجبه. فلما رأى ذلك عبد الله سر به إلى أن قال: هل رأيت مثل عمارة قال: لا والله يا سيدي، ما رأيت مثلها، وما تصلح إلا لك، وما ظننت أن يكون في الدنيا مثل هذه الجارية حسن وجه وحسن عمل، قال: فكم تساوي عندك؟ قال: ما لها ثمن إلا الخلافة، قال: تقول هذا لتزين لي رأيي فيها، وتجتلب سروري، فقال له: يا سيدي، والله إني لأحب سرورك، وما قلت إلا الجد، وبعد فإني تاجر أجمع