للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسوغوك ما في يديك، ثم تستقبل فيهم العدل الآن. فقال: مقبول منك يا عم. قال: فانصرف. فقال المهدي لجلسائه: هذا الذي قلتم إنه ما يعقل؟! قال صالح المري: دخلت على المهدي ها هنا بالرصافة، فلما مثلت بين يديه، قلت: يا أمير المؤمنين، احمل لله ما أكلمك به اليوم، فإن أولى الناس بالله - عز وجل - أحملهم لغلظة النصيحة فيه، وجدير بمن له قرابة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرث أخلاقه، ويأتم بهديه، وقد ورثك الله من فهم العلم وإنارة الحجة ميراثاً قطع به عذرك، فمهما ادعيت من حجة، أو ركبت من شبهة لم يصح له برهان من الله - عز وجل -، حل بك من سخط الله - عز وجل - بقدر ما تجاهلته من العلم، أو أقدمت عليه من شبهة الباطل. واعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصم من خالفه في أمته يبتزها أحكامها. ومن كان محمد خصمه، كان الله - عز وجل - خصمه. فأعد لمخاصمة الله عز وجل ولمخاصمة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حججاً تضمن لك النجاة، أو استسلم للهلكة. واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله - عز وجل - قربة، وأن أثبت الناس قدماً يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فمثلك لا يكابر بتجريد المعصية، ولكن تمثل له الإساءة إحساناً، ويشهد له عليها خونة العلماء، وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظراءك. فأحسن الحيل، فقد أحسنت إليك الأداء. قال: فبكى المهدي.

قال أبو همام: فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوباً في دواوين المهدي.

حدث الواقدي قال:

دخلت يوماً على المهدي، فدعا بمحبرته ودفتره، وكتب عني أشياء حدثته بها. ثم نهض وقال: كن بمكانك حتى أعود إليك، فدخل إلى دور الحرم، ثم خرج متنكراً ممتلئاً غيظاً، فلما جلس، قلت: يا أمير المؤمنين، خرجت على خلاف الحال التي دخلت

<<  <  ج: ص:  >  >>