ثم قامت، فجمعت عليها ثيابها، وأتت ورقة بن نوفل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت.
فرجعت خديجة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته بما قال ورقة، فسهل ذلك عنه بعض ما هو فيه.
فلما مضى حواره وانصرف، صنع كما كان يصنع، وبدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة، فقال: يا بن أخي، أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه، ولتؤذينه، ولتخرجنه، ولتقاتلنه، ولئن أدركت ذلك لأنصرن الله نصراً يعلمه، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منزله، وقد زاده ذلك من ورقة ثباتاً، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الغم.
ومن حديث: أن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً على رأس خمس سنين من بناء الكعبة.
فكان أول شيء اختصه الله به من النبوة والكرامة رؤيا كان يراها، فقص ذلك على زوجته خديجة، فقالت له: أبشر، فوالله، لا يفعل الله بك إلا خيراً.
فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ترك كثيراً مما كانت عليه قريش تفعل بآلهتهم، وتنزه عنه.
فبينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما بلغنا، والله أعلم - ذات يوم في حراء، كان خرج إليه فاراً كراهية أن يفعل بآلهتهم كما كانوا يفعلون، وقد خرجت قريش لتعظيم بعض آلهتهم، فبينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حراء يتمشى إذ نزل عليه جبريل، فدنا منه، فخاغه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخافة شديدة، فوضع جبريل يده على صدره وبين كتفيه، فقال: اللهم احطط وزره، واشرح صدره، وطهر قلبه، يا محمد، أبشر، فإنك نبي هذه الأمة، اقرأ، قال له نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو خائف يرتعد: ما قرأت كتاباً قط، ولا أحسنه، وما أكتب، وما أقرأ، فأخذه