فقالت خديجة: أبشر، فوالله لقد كنت أعلم أن الله لن يفعل بك إلا خيراً، وأشهد أنك نبي هذه الأمة الذي تنتظره اليهود، قد أخبرني به قبل أن أتزوجك ناصح غلامي وبحيرى الراهب، وأمراني أن أتزوجك منذ أكثر من عشرين سنة.
فلم تزل عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى طعم، وضحك، ثم خرجت إلى الراهب، وكان قريباً من مكة، فلما دنت منه، وعرفها قال لها: ما بالك يا سيدة نساء قريش؟ وكذلك كانت تسمى، فقالت: أقبلت إليك لتخبرني عن جبريل.
قال الراهب: سبحان الله ربنا القدوس، ما بال جبريل تذكرينه يا سيدة نساء قريش في هذه الفلاة التي إنما يعبد أهلها الأوثان؟ قالت: أنشدك بنصرانيتك ومسيحك لتخبرني عنه بعلمك فيه.
قال لها الراهب: يا سيدة نساء قريش، ذلك أمين الله ورسوله إلى أنبيائه ورسله الذي يرسله إليهم، وهو صاحب الرسل وصاحب موسى وعيسى بن مريم.
قازدادت يقيناً، وعرفت أن الله قد أهدى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل الكرامة.
ثم أقبلت حتى أتت عبداً لعتبة بن ربيعة نصرانياً من أهل نينوى، يقال له عداس، قالت له: أذكرك الله يا عداس إلا حدثني عن جبريل بما تجد عندك في الكتب.
فقال لها عداس: قدوس ربنا، وما شأن جبريل تذكرينه ياسيدة نساء قريش بهذه الفلاة التي إنما يعبد أهلها الأوثان؟ قالت: أنشدك الله بنصرانيتك إلا حدثتني عنه بعلمك.
قال: قد ذكرتني بعظيم، فإن جبريل عبد الله ورسوله وأمينه الذي يبعثه إلى الرسل، وهو صاحب المرسلين كلهم، وهو الذي كان مع موسى بين يدي فرعون، وكان معه حين فلق البحر، وكان معه إذ كلمه ربه بطور سيناء، وكان معه في كل موطن من تلك المواطن كلها، وهو صاحب عيسى بن مريم الذي أيده به.