قال الوضاح بن معبد الطائي: وفد حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فأكرمه وأدناه، ثم زوده عند انصرافه حملين ذهباً وورقاً غير ما أعطاه من طرائف بلده، فرحل. فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طيىء، فقالت: جاء حاتم، أتيت من عند الملك بالغنى، وأتينا من عند أهالينا بالفقر. فقال حاتم: هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه، فوثب القوم إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه، فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته فقالت له: اتق الله، وأبق على نفسه، فما يدع هؤلاء ديناراً ولا درهماً، ولا شاة ولا بعيراً. فأنشأ حاتم يقول:
قالت طريفة ما تبقى دراهمنا ... وما بنا سرف فيها ولا خرق
إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا ... ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق
ما يألف الدّرهم الكاريّ خرقتنا ... إلا يمرّ علينا ثمّ ينطلق
إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمنا ... ظلّت إلى سبل المعروف تستبق
قال أبو بكر بن عباس: قال رجل لحاتم: هل في العرب أجود منك؟ قال: كل العرب أجود مني. ثم قال: نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي منها شاة وأتاني بها، فلما قرّب إلي دماغها قلت: ما أطيب هذا الدماغ! قال: فذهب فلم يزل يأتيني منه حتى قلت قد اكتفيت، قال: فلما أصبحت فإذا هو قد ذبح المائة شاة، وبقي لا شيء له. قال الرجل: فقلت: ما صنعت به؟ قال: ومتى أبلغ شكره، ولو صنعت به كل شيء! قال: على كل حال؟ قال: أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي.
قال أبو عبد الله بن الأعرابي: كان حاتم الطائي أسيراً في عنزة، فقالت له امرأة يوماً: قم فافصد لنا هذه الناقة - وكان الفصد عندهم أن يقطع عرق من عروق الناقة، ثم يجمع الدم فيشوى - فقام حاتم إلى الناقة فنحرها، فلطمته المرأة فقال حاتم: لو غير ذات سوار لطمتي. فذهب قوله: لو غير ذات سوار لطمتني مثلا، وقال له النسوة: إنما قلنا لك تفصدها. فقال: هكذا فصدي أنه - يريد: أنا وهي لغة طيىء -.