فقال: اسكتي فوالله لأشبعنك وإياهم إن شاء الله. قال: فأقبلت تحمل اثنين، ويمشي جنبيها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجاً بحربته في لبته، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمدية فكشط عن جلده، ثم دفع المدية إلى المرأة، ثم قال: دونك، ثم قال: ابغي صبيانك فبغيتهم، ثم قال نسوة: أتأكلون شيئاً دون أهل الصّرم! فجعل يطوف فيهم حتى هبوا، فأقبلوا عليه، والتفع ببتّه، ثم اضطجع ناحية ينظر إليها، لا والله ما ذاق مزعة وإنه لأحوجهم إليه، فأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم أو حافر، وأنشأ حاتم يقول:
مهلاّ نوار أقلّي اللوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
قالت امرأة حاتم لحاتم: يا أبا سفانة، إني لأشتهي أن آكل أنا وأنت طعاماً وحدنا ليس عليه أحد، قال: أو اشتهيت ذلك؟ قالت: نعم. قال: فوجّهي وبرّزي خيمتك حيث اشتهيت، فحولت الخيمة من الجماعة على فرسخ، وأمرت بالطعام فهيىء وهي مرخاة ستورها عليها وعليه. فلما قارب نضج الطعام كشف عن رأسه وقال:
فلا تطبخي قدري وسترك دونها ... عليّ إذن ما تطبخين حرام
ولكن بها ذاك اليفاع فأوقدي ... بجزل إذا أوقدت لا بضرام
وكشف الستور، وقدم الطعام، ودعا الناس، فأكل وأكلوا، فقالت: ما أتممت لي بما قلت. فأجابها بأني لا تطاوعني نفسي، ونفسي أكرم عليّ من أن تثني عليّ هذا، وقد سبق لي السخاء وقال:
أمارس نفسي البخل حتى أعزّها ... وأترك نفس الجود لا أستشيرها
ولاتشتكيني جارتي غير أنها ... إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها ... إليها ولم تقصر عليّ ستورها