إليه، فلما فرغ دنا منه فقال له: يا غلام لمن أنت؟ فقال: لورثة عثمان بن عفان فقال: لقد رأيت منك عجباً فقال له: وما الذي رأيت من العجب؟ قال: رأيتك تأكل، فكلما أكلت لقمة رميت للكلب لقمة، فقال: يا مولاي، هو رفيقي منذ سنين، ولا بد أن أجعله كأسوتي في الطعام، فقال له: فدون هذا يجزئك؟ فقال له: يا مولاي، إني لأستحي من الله أن آكل، وعين تنظر إلي لا تأكل. ثم مضى عنه حتى ورثة عثمان بن عفان فنزل عندهم فقال: جئت في حاجة، تبيعوني الحائط الفلاني قالوا: قد وهبناه لك فقال: لست آخذه إلا بضعف فباعوه، فقال لهم: وتبيعوني الغلام الأسود؟ فقال له: إن الأسود ربيناه وهو كأحدنا، فلم يزل بهم حتى باعوه، فلما أصبح غدا على الغلام وهو في الحائط، فخرج إليه فقال له: أشعرت أني قد اشتريتك واشتريت الحائط من مواليك؟ فقال: بارك الله لك فيما اشتريت، ولقد غمني مفارقتي لموالي، إنهم ربوني، فقال له: فأنت حر والحائط لك فقال: إن كنت صادقاً يا مولاي فاشهد أني أوقفته على ورثة عثمان بن عفان. فتعجب عبد الله بن جعفر منه وقال: ما رأيت كاليوم، فقال: بارك الله فيه ودعا له ومضى.
قال معاوية لعبد الله بن جعفر: ما العيش يا أبا جعفر؟ قال: ركوب الهوى وترك الحياء.
خرج حسين بن علي وعبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص إلى مكة في حج أو عمرة. فلما قفلوا اشتاقوا إلى المدينة، فركبوا صدور رواحلهم بأبدانهم، وخلفوا أثقالهم، وكان ذلك في الشتاء فلما بلغوا المنحنين قرب الليل أصابهم مطر واشتد عليهم البرد، فاحتاجوا إلى مبيت وكن، فنظروا إلى نار تلوح لهم عن ناحية من الطريق، فأموها، فإذا هي نار لإنسان من مزينة فسألوا المبيت فقال: نعم، والقرى، فأنزلهم وأدخلهم خباءه وحجز بينهم وبين امرأته وصبيانه بكساء أو شيء ثم قام إلى شاة عنده فذبحها وسلخها، ثم قربها إليهم، وأضرم لهم ناراً عظيمة، فباتوا عليها، ودخل على امرأته وهو يظن أنهم قد ناموا فقالت له: ويحك، ما صنعت بأصبيتك؟! فجعتهم بشويهتهم، لم يكن لهم غيرها يصيبون من لبنها، لقوم مروا بك كسحابة أفرغت ما فيها ثم استقلت، لا خير عندهم.