قال مسلم بن حاتم الأنصاري: كنا يوماً عند زهير البابي نعوده، وإذا نحن برجل يقول في الدار: يا جارية، يا غلام، فأشرف عليه بعض من كان يخدمه فقال: من هذا؟ فقال: أخبر أبا عبد الرحمن أن القاضي بالباب، فأخبره، فقال زهير: مالي وللقاضي وما للقاضي ولي قال: وقد كان جاءه قبل ذلك بيوم فحجبه، فقدم إليه رجلين من أمنائه: العيشي وإسحاق بن حماد بن زيد، وقال لهما: إني ذهبت إلى زهير فحجبني، فاغدوا عليه وكونا عنده حتى أجيء فإن أذن لي فذاك وإلا فسهلا أمري، فأقبل عليه العيشي فقال: يا أبا عبد الرحمن، قاضي أمير المؤمنين جاء يعودك إن رأيت أن تأذن له، قال يا عيشي، أنت أيضاً من هذا الضرب؟ ما للقاضي وعبادة زهير فأقبل عليه ابن حماد فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن رأيت أن تأذن له فلعله أن يسمع منك كلمة ينفعه الله بها، فما زالا بالشيخ حتى قال: ائذنوا له، فدخل وهو يومئذ كهل، وعليه كسوة عجيبة، قال: فتحسحس جميع من في البيت، وزهير لا يتحرك حتى جلس يحيى، فانكب على رأسه فقبله ثم قال: يا أبا عبد الرحمن، كيف أصبحت؟ كيف تجدك؟ قال: أنا بخير والحمد لله وأنا في عافية، قال: جعلك الله بخير يا أبا عبد الرحمن، جئتك أمس فمنعتني، وجئتك اليوم، فكدت ألا تأذن لي، بلغك عني أمر تكرهه؟ اشتكاني إليك أحد بظلم أحد من قبلي فأستغفر الله وأرجع وأتوب؟ إلى أن قال في كلامه: والله يا أبا عبد الرحمن ما تركت. فقال زهير: خذوا بيدي، فجلس، فقال: يا يحيى، من لم يدعك؟ ضربت سوطاً قط أخذ من مالك دينار قط حبست يوماً إلى الليل قط قال: لا والله، قال: ولكن ما أرى الله أتى بك من أقاصي مرو وقلدك هذه القلادة لخير يريده بك، قال: فجعل يبكي، ثم قال في آخر كلامه: يا أبا عبد الرحمن، لك حاجة توصي بها؟ قال: مالي إليك حاجة إلا أن تؤثر الله على ما سواه.