قال يحيى بن أكثم: كان لي أخ مروزي وكان يكتب إلي في الأحايين، وما كتب إلي إلا انتفعت بكتابه، فكتب إلي مرة: بسم الله الرحمن الرحيم، يا يحيى اعتبر بما ترى، واتعظ بما تسمع، قبل أن تصير عبرة للناظرين وعظة للسامعين. قال: قلت: لقد جمع فيه.
لما ولي يحيى بن أكثم القضاء كتب إليه أخوه عبد الله بن أكثم من مرو وكان من الزهاد:
ولقمة بجريش الملح آكلها ... ألذ من تمرة تحشى بزنبور
لقي رجل يحيى بن أكثم وهو على قضاء القضاة فقال له: أصلح الله القاضي: كم آكل؟ قال: فوق الجوع ودون الشبع. قال: فكم أضحك؟ قال: حتى يسفر وجهك ولا يعلو صوتك. قال: فكم أبكي؟ قال: لا تمل البكاء من خشية الله تعالى، قال: فكم أخفي من عملي؟ قال: ما استطعت؟ قال: فكم اظهر منه؟ قال: ما يقتدي بك البر الخير، ويؤمن عليك قول الناس. فقال الرجل: سبحان الله، قول قاطن وعمل ظاعن.
قال يحيى بن أكثم: من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم.
قال يحيى بن أكثم في رجل من القضاة كان استخف بحقوقه ثم رجع إلى خدمته:
ذهبت بنضرة وجهك الأيام ... ولقد مضى زمن وأنت إمام
ما كان ضرك لو ذخرت ذخيرة ... تبقى لصاحبها يد وذمام
فاليوم إذ نزل البلا بك زرتنا ... هيهات ما منا عليك سلام