قرع فألقوه في الماء، فاقترعوا، فقرعهم يونس، فأبوا أن يلقوه في الماء، وقالوا: إن القرعة تخطئ وتصيب. فاقترعوا الثانية، فقرعهم، فقال لهم: ألقوني في الماء، فأوحي إلى حوت كان يكون في بحر من وراء البحور أن يجيء حتى يحيط بسفينة يونس، فاخترق الحوت البحار، فاستقبل سفينة يونس، فأحاط بها، وفغر فاه، فأوحى الله إلى الحوت ألا يخدش له لحماً، ولا يكسر له عظماً، فإنه نبيي وصفيي. وقال الحوت: يا رب، جعلت بطني له مسكناً، لأحفظنه حفظ الوالدة ولدها. قال: واحتمل يونس إلى ناحية السفينة ليلقى في الماء، فانصرف الحوت إليها، فقال: انطلقوا بي إلى ناحية أخرى، فانطلقوا به، فإذا هم بالحوت، ففعلوا مثل ذلك بجميع جوانب السفينة، فقال: اقذفوني، فقذفوا به، فأخذه الحوت، وهوى به إلى مسكنه من البحر، ثم انطلق به إلى قرار الأرض، فطاف به البحار أربعين يوماً، فسمع يونس تسبيح الجن، وتسبيح الحيتان، فجعل يسمع الحس، ولا يرى ما هو، فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: يا يونس، هذا تسبيح دواب البحر، فجعل يسبح ويهلل، وقال: سيدي، من الجبال أهبطتني، وفي البلاد سيرتني، وفي الظلمات الثلاث سجنتني: ظلمة الليل، وظلمة الماء، وظلمة بطن الحوت. إلهي، عاقبتني بعقوبة لم تعاقبها أحداً قبلي.
فلما كان تمام أربعين ليلة وهي قدر ما كان قومه في العذاب، وأصابه الغم، " فَنَادى في الظُّلُماتِ أَنْ لا إله إلاَّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كنتُ مِنَ الظالمين "، فسمعت الملائكة بكاءه، وعرفوا صوته، فبكت الملائكة لبكاء يونس، وقالوا: يا ربنا، صوت ضعيف حزين نعرفه في مكان غريب! قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. فقالوا: يا رب، العبد الصالح الذي كان يصعد له كل يوم وليلة العمل الصالح الكثير؟ قال: نعم.
قال ابن عباس: هذه عقوبته لأوليائه فكيف لأعدائه؟ فشفعت له الملائكة، فبعث الله جبريل إلى الحوت يأمره أن يقذف يونس حيث ابتلعه، قال: فجاء به إلى شاطئ دجلة، فدنا جبريل من الحوت، وقرب فاه من في الحوت، وقال: السلام عليك يا يونس، رب العزة يقرئك السلام، فقال يونس: مرحباً بصوت كنت خشيت ألا