كنت عند أنس بن مالك إذ قدم علينا ابن له من غزاة، يقال له: أبو بكر، فساءله، فقال: ألا أخبرك عن صاحبنا فلان؟ بينا نحن قافلون من غزاتنا، إذ ثار وهو يقول: يا أهلاه، يا أهلاه، أو: يا هؤلاء، يا هؤلاء! فثرنا إليه، فظننا أن عارضاً عرض له، فقلنا: مالك؟ فقال: إني كنت أحدث نفسي ألا أتزوج حتى أستشهد، فيزوجني الله تعالى من الحور العين، فلما طالت علي الشهادة قلت في سفري هذا: إن أنا رجعت هذه المرة تزوجت. فأتاني آت قبيل في المنام، فقال: أنت القائل: إن رجعت تزوجت؟ فقم، فقد زوجك الله العيناء، فانطلق إلى روضة خضراء معشبة، فيها عشر جوار، في يد كل جارية صنعة تصنعها، لم أر مثلهن في الحسن والجمال، فقلت: فيكن العيناء؟ فقلن: نحن من خدمها، وهي أمامك. فمضيت، فإذا روضة أعشب من الأولى وأحسن، فيها عشرون جاريةً، في يد كل واحدة صنعة تصنعها، ليس العشر إليهن بشيء في الحسن والجمال. قلت: فيكن العيناء؟ قلن: نحن من خدمها، وهي أمامك، فمضيت، فإذا بروضة، وهي أعشب من الأولى والثانية وأحسن، فيها أربعون جاريةً، في يد كل واحدة منهن صنعة تصنعها، ليس العشر والعشرون إليهن بشيء في الحسن والجمال. قلت: فيكن العيناء؟ قلن: نحن من خدمها، وهي أمامك. فمضيت، فإذا أنا بياقوتة مجوفة، فيها سرير عليه امرأة قد فضل جنباها السرير. قلت: أنت العيناء؟ قالت: نعم، مرحباً. فذهبت أضع يدي عليها، قالت: مه، إن فيك شيئاً من الروح بعد، ولكن تفطر عندنا الليلة. قال: فانتبهت.
قال: فما فرغ الرجل من حديثه حتى نادى المنادي: يا خيل الله اركبي. قال: فركبنا، فصافنا العدو؛ فإني لأنظر إلى الرجل، وأنظر إلى الشمس، فأذكر حديثه، فما أدري أرأسه سقط أولاً أم الشمس سقطت.
فقال أنس: رحمه، رحمه الله.
قال أحمد العجلي: أبو بكر بن أنس بن مالك: بصري، تابعي، ثقة.