وقال: حججت سنة من السنين، فبينا أنا أمشي في الطريق وقعت في بئر، فنازعتني نفسي أن أستغيث، فقلت: لا والله لا أستغيث. فما استممت هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان، فقال أحدهما للآخر: تعال حتى نسد رأس هذا البئر في هذا الطريق. فأتوا بقصب وبارية، فهممت أن أصيح، فقلت في نفسي: أصيح على من هو أقرب إلي منهما. فسكت حتى طووا رأس البئر، فإذا بشيء قد جاء وكشف رأس البئر وما عليها، ودلى رجليه في البئر كأنه يقول في مهمهة له: تعلق بي، من حيث كنت أفهم همهمته، فتعلقت به، فأخرجني من البئر، فنظرت إليه، فإذا هو سبع، وإذا هاتف يهتف بي وهو يقول: يا أبا حمزة، أليس ذا أحسن، نجيناك بالتلف من التلف، فمشيت وأنا أقول: من الطويل
نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى ... وأغنيتني بالفهم منك عن الكشف
تلطفت في أمري فأبديت شاهدي ... إلى غائبي واللّطف يدرك باللطف
تراءيت لي بالغيب حتّى كأنّما ... تبشّرني بالغيب أنّك في الكفّ
أراك وبي من هيبةٍ لك وحشةٌ ... فتؤنسني باللطف منك وبالعطف
وتحيي محبّاً أنت في الحبّ حتفه ... وذا عجبٌ كون الحياة مع الحتف
وقيل: إن صاحب هذه الحكاية أبو حمزة البغدادي، وقيل: الدمشقي. والله أعلم.
قال أبو محمد الرصافي: خرج أبو حمزة، فسمع قائلاً يقول: من الكامل
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحبّ إلا للحبيب الأوّل