وقد بقي إلى التينات ستة أميال، فقال: يا أخي قد تعبت، فناولني أحمل عنك، فناولته، فحملها، وجعل يحادثني بأخبار الصالحين حتى بلغنا التينات، فدفعها، وودعني، وقال: تقرأ على الشيخ مني السلام، فقلت: حبيبي، أقول من؟ قال: هو يعرف. فلما دخلت على الشيخ قال لي: يا إبراهيم، ما استحييت، حملته ستة أميال؟ ما حسدتك، وحسدتني على كلامه إياي؟ فبكيت، وقلت: هو هو؟ قال: هو هو ولا حيلة، تبكي إذا لم تلقه، وتبكي إذا لقيته! قال أبو ذر: سمعت عيسى يقول: كان خيثمة بن سليمان يبعث كل سنة لي شيئاً. فلما كان بعض السنين بعث لي ذلك مع رجل، فإذا بين الدراهم التي بتينات وبين الذي معه صرف، فباع ما معه بدراهم تينات، وأخذ الزيادة لنفسه، ثم جاء إلي، وأعطاني، فخرج أبو الخير إلى طرابلس من يومه، فإذا بخيثمة قد خرج إلى الصحراء لبعض شأنه، فلما رآه عرفه. وترجل له. وقبل رأسه، وقال له: ما الذي أقدمك؟ فقال: كنت تبعث لنا في كل سنة بشيء طيب، وهذا ليس بطيب، والذنب للرسول، ولكن لا تعاقبه، ولا تستعمله أبداً. وترك تلك الدراهم عنده ورجع، فرجع الرسول بعد أيام قال خيثمة: وكنت كتبت اليوم الذي رأيت فيه أبا الخير فقال: قدمت تينات وسلمت إليه ما أمرتني في يوم كذا وكذا. قال: وهو اليوم الذي جاءني أبو الخير، وبين تينات وبين طرابلس مسيرة أيام فوق العشرة، ولكن مر، فليس تصلح لخدمتي.
قال أبو الخير: من أحب أن يطلع الناس على عمله فهو مراء، ومن أحب ألا يطلع الناس على حاله فهو مدع كذاب.
قال أبو القاسم بكر بن محمد المنذري: سألني أبو حفص عمر بن عبد الله الأسواني عن أبي الخير التيناتي فقلت: قد نحل جسمه، فقال: قربت وفاته، قلت: من أين قلت؟ قال: ما هو بمريد فتنحله الرياضة، ولا بخائف تذيبه الهموم، وما هو إلا يصفيه حتى يقبضه إليه. قال: فوصل الخبر بعد مديدة بوفاته رحمه الله.