أمه. فرأيتها مسفرة الوجه مبتسمة، فجاء الحجاج فأحدره لها، وقال: يا أسم، إني وإياه استبقنا إلى هذا الجذع، فسبقني هو إليه.
٥٣ - أبو عثمان النصيبي من أهل التصوف، قدم دمشق في سياحة. قال أبو إسحاق إبراهيم: كنت مجاوراً بمكة، فوقف علي أبو عثمان النصيبي فقال: يا فقير، أيما أحب إليك، أرفقك أو أحكي إليك حكاية؟ فقلت: بل حكاية. قال: كنت سائراً ببلاد دمشق، وعلي خرقتان: واحدة في وسطي، وأخرى على كتفي، فانتهيت إلى دير مران، والثلج يسقط مثل الورق، فاطلع إلي راهب من غرفة، وقد لويت عن باب الدير، فقال: بحق من خرجت من أجله إلا عدلت إلى الدير. فرجعت، فاستقبلني وأخذ بيدي، وصعدنا إلى غرفة حسنة الآلة، فأقمت عنده ثلاثاً في حسن عشرة، واستحسنته فقلت: يا راهب، أراك عاقلاً، فكيف أقمت على النصرانية؟ فقال: قد قرأت المسطور يعني القرآن ولو قضي شيء لكان. وهمت بالمسير، فرام وقوفي. فقلت: قال نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الضيف ثلاثة، فما زاد فهو صدقة. فقال: صدق نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن من الضيف على صاحب البيت؟ فقلت: أراك أديباً، أسألك عن شيء؟ فقال: قل. قلت: ما صفة المحبة؟ فقال: المحبة لا صفة لها، ولكن إن أردت أن أصف لك شيئاً من أدب المحبة؟ فقلت: قل. قال: أدناه أن لا تزيد بالبر، ولا تنقص بالجفاء. ونهضت فقام معي، ونزلنا إلى صحن الدير، وإذا باب مردود فقال: ادفعه. فدفعته، فإذا إنسان حسن الخلق في عنقه سلسلة مشدودة إلى السقف تمنعه من الجلوس، فقلت: ما هذا؟ فقال: كلمه. فقلت: ما اسمك يا فتى؟ قال: عبد المسيح. فقلت: ما وقوفك ها هنا؟ فقال: عبد المسيح. فقلت: وما تؤلمك هذه السلسلة؟ فقال: عبد المسيح. فقلت للراهب: ما هذا؟ فقال: هذا العيان، وذاك الخبر. أو كما قال.