وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشها، مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها ولم تتعلق منا، ولم نردها، ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا، وهم أكثر منا أضعافاً، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ونجوا على ذلك. ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يميناً وشمالاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأما أنت فمضيت على طريق صالحة، فلن تزال عليها حتى تلقاني. وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات، وأنا في أعلاها درجة، فالدنيا سبعة آلاف سنة، أنا في آخرها ألفاً.
وأما الرجل الذي رأيت على يميني الآدم الشتل فذاك موسى عليه السلام، إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله إياه. والذي رأيت عن يساري التار الربعة، الكثير خيلان الوجه، كأنما حمم شعره بالماء، فذاك عيسى بن مريم نكرمه إكرام الله إياه. وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقاً ووجهاً، فذاك أبونا إبراهيم، كلنا نؤمه ونقتدي به. وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أتبعها، فهي الساعة، علينا تقوم، لا نبي بعدي، ولا أمة بعد أمتي. قال: فما سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رؤيا بعد هذا إلا أن يجيء الرجل فيحدثه بها متبرعاً.
الطريق الرحب: الواسع. واللاحب: الطريق المنقاد الذي لا ينقطع. يرف رفيفاً: يقال ذلك للشيء إذا كثر ماؤه من النعمة والغضاضة حتى يكاد يهتز. والرعلة: يقال للقطعة من الفرسان رعلة، ولجماعة الخيل: رعيل. وأشفوا على المرج: أشرفوا، ولا يكاد يقال: أشفى، إلا على الشر، وكذلك هو على شفى، أكثر ما يستعمل في الشر، وأكبوا رواحلهم: هكذا ورد، وإنما هو كبوا رواحلهم. وكببت الإناء: قلبته، وكبه الله لوجهه