الثوري، ثم قال: سمعت أخي سفيان الثوري يقول: ما كان الله لينعم على عبد في الدنيا فيفضحه في الآخرة، وحق على المنعم أن يتم على من أنعم عليه. قال يحيى بن يحيى: إن كان أحد قد بقي من الأبدال فحسين الجعفي منهم، وأبو معاوية الأسود. قال يحيى بن معين: رأيت أبا معاوية الأسود وهو يلتقط الخرق من المزابل ويغسلها ويلفقها ويلبسها فقيل له: يا أبا معاوية، إنك تكسى خيراً من هذا. فقال: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا إذا جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة. وقال: كان أبو معاوية يخرج فيلتقط أسفل جزرة أو شيئاً مطروحاً، لقمة أو عدداً، فيجمع من هذا ثم يطبخه فيأكله. وكان رجل صدق، وكان يقول: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا إذا جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة. ثم قال يحيى بن معين: صدق والله، ما ضر رجلاً أتقى الله على ما أصبح وأمسى من أمر الدنيا، وما الدنيا إلا كحلم. لقد حججت وأنا ابن أربع وعشرين سنة. خرجت راجلاً من بغداد إلى مكة، هذا منذ خمسين سنة، كأنما كان أمس. أغلظ رجل لأبي معاوية بالكلام وهو لا يعرفه فقال له أبو معاوية: أستغفر الله من ذنبٍ سلطك به علي. كان أبو معاوية ذهب بصرة، فإذا أراد أن يقرأ نشر المصحف فيرد الله عليه بصره، فإذا أطبق المصحف ذهب بصره. قال أبو الزاهرية: قدمت طرطوس، فدخلت على أبي معاوية الأسود وهو مكفوف البصر، وفي منزله مصحف معلق. فقلت: رحمك الله، مصحف وأنت لا تبصر؟ قال: تكتم علي يا أخي حتى أموت؟ قلت: نعم. قال: إني إذا أردت أن أقرأ فتح بصري. قال أحمد بن أبي الحوري: قلت لأبي معاوية الأسود: ما أعظم النعمة علينا في التوحيد، نسأل الله ألا يسلبناه. قال: يحق على المنعم أن يتم على من أنعم عليه.