وقد بعثتني إلى معاوية، وأنت تعرف أي شيء طلبت وقالت، وخزائن الدنيا كلها بيدك، وإنما معاوية خلق من خلقك، وقد أعطيته ما أعطيته، وإنما أسألك من خيرك الكثير اليسير، فاكس إلهي صبياني قمصاً وخفافاً وفراء، واكس زوجتي قميصين ودرعاً وخماراً وعجل لنا الساعة براً وعدساً وزيتاً وحطباً، وارزقني برنساً خفيفاً دفيئاً أصلي لك فيه، وارزقني فرساً حصاناً وساعاً جواداً طاهر الخلق، إن طلبت العدو عليه أدركته، وإن طلبوني لم يدركوني، وعجل ذلك لي الساعة، فإن خزائنك لا تنفذ، وخيرك لا ينقص، وأنت بي عالم، قد تعلم أنك أحب إلي من سواك، فإن تعطني هذا الساعة حمدتك عليه كثيراً، وإن تمنعنيه فلك الحمد كثيراً. قال: ورجل من آل معاوية في المسجد يسمع مقالته، فخرج يشتد حتى دخل على معاوية فقال:
يا أمير المؤمنين، عجباً سمعته آنفاً في المسجد، رجل يناجي ربه كما يناجي الإنسان الإنسان، يسأله في دعائه قمصاً وفراء وخفافاً وبراً وعدساً وزيتاً وحطباً وفرساً حصاناً وبرنساً خفيفاً فهل سمعت بعجب مثل هذا؟ قال: ويحك، وهل تدري من هذا؟ هذا أبو مسلم، أليس قد أحصيت ما قال؟ قال: بلى، قال: فأضعفوا له كل ما سأل، وعجلوا به الساعة إلى منزله ولا يصبحن إلا وهذا الشيء في منزله، من كل شيء اثنان. فحمل هذا كله إلا الفرس، فإنه لم يصب في مربط معاوية إلا فرس واحد على ما وصف، فلما قدمت هذه الأشياء على أم مسلم أقبلت تحسن الثناء على معاوية، وتقول: لم أزل أعاتب الشيخ في إتيانه فيأبى علي. فلما صلى أبو مسلم الغداة انصرف وهو واثق بربه. فلما أتى البيت أصابه مملوءاً سواداً، فقالت له أم مسلم: ألا ترى ما أهدى إليك أمير المؤمنين؟ قال: ويح البعداء، لقد كفرت النعمة، ولم تشكري الرازق. والله ما أتيت لمعاوية داراً، ولا كلمت له حاجباً ولا رفعت إليه حاجة، وما هذا إلا قسم من الله أهداه إلينا، فلله الحمد كثيراً كثيراً. قال أبو مسلم: يا أم مسلم، سوي رحلك، فإنه ليس على جسر جهنم معبر.