فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط وتكفن. فقلت: اللهم، إنك تعلم إني دفعت عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطغى على أصحابه، فسلمني منه. فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب حاسر عن ذراعيه، بيده السيف وبين يديه النطع. فلما بصر بي قال: يا عمر، ما تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عليه، فيه إزراء على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى ما جاء به، إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود، كله مردود وغير مقبول. فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله. وأمر له بعشرة آلاف درهم. قال أبو هريرة: إني لأجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءاً للقرآن، وجزءاً أنام، وجزءاً أتذكر فيه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو هريرة يصلي ثلث الليل وامرأته ثلثاً وابنته ثلثاً. قال أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة سبعاً. فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا. قال: قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثاً، فإن حدث بي حدث كان لي أجر شهري. وكان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس، وقال: إنهما يومان ترفع فيهما الأعمال. وكان أبو هريرة يسبح كل يوم باثنتي عشرة ألف تسبيحة. يقول: أسبح بقدر ديتي. وكان لأبي هريرة صيحتان في كل يوم، أول النهار فيقول: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار. فإذا كان العشي قال: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار. فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله من النار.