قال عبد الرحيم بن علي الأنصاري المؤذن: اتفقنا مشايخ من دمشق، فينا أحمد بن أبي الحواري وقاسم الجوعي وجماعة مشايخ، فمضينا ليلة الجمعة نبيت عند أبي سليمان الداراني، فخرجنا نريد داريا فلما بلغنا مزابل قينية إذ بأبي سليمان مقبل من داريا على حمار وهو منكس رأسه. فوقفنا ومعنا أم هارون الخراسانية وتلميذها أبو الفقر، فوقف في وسطنا. فقلنا: سلام عليك فقال: وعليكم، أين تريدون؟ قلنا: إليك أردنا. فلوى رأس حماره يريد أن يرجع، فأخذنا برأس دابته وقلنا: هذا باب الجابية، لا ندعك تمر، الحمد لله الذي جاء بك. فوقف وأحطنا به خلقاً، ثم نظر إلى أم هارون فصاح: يا قاسم، من هذه المرأة؟ فقال: امرأة خراسانية تعرف بأم هارون. فسكت ثم التفت فصاح: يا أحمد، قل لها: أتحبين الموت؟ فقالت: لا. فأطرق ساعة ثم قال: قل لها: ولم تكره لقاء الله عز وجل؟ فأطرقت ساعة ثم قالت: يا أبا سليمان، لو عاديت آدمياً لكرهت لقاءه، فكيف أريد لقاء الله وأنا عاصية له؟! فصاح أبو سليمان صيحة ووقع عن حماره. وأقبل يتمرغ في الأرض، ووقع أحمد مغشياً عليه وجماعة من المشايخ. ثم أفاق أبو سليمان فقال: يا أم هارون، إيش قلت؟ فأعادت عليه. فما زلنا وقوفاً حتى كادت الشمس أن تغيب. فحملناه على حماره ومسكناه حتى أدخلناه المدينة.