مبذراً، أو لكل الناس أعطيت كما أعطيتني؟ قال: لا، ولا يمكن هذا. فقال التيمي: فاجعل نصيبي في هذا الفيء أكثر من نصيب رجل من المسلمين. ففرق معاوية في ذلك الوفد مالاً عظيماً، وأمرهم بالشخوص إلى بلدهم، وكتب إلى زياد: لا تزال توجه إلي الرجل بعد الرجل فيقف بين يدي مؤنباً، أولى لك، فلما قرأ زياد الكتاب قال: علي نذر لأصلبن التيمي على أربع جذوع. ثم جعل ينتظر قدومه يوماً يوماً، ويعد له المراحل حتى انتهى التيمي إلى بعض المنازل، فمات به. وبلغ زياداً موته، فبعث إلى ابن أخ له من أهل البصرة فقال: عمك الحروري يؤنب أمير المؤمنين؟ فقال التميمي: أيها الأمير ما استأمرتني فيه حين أردت توجيهه، ولا ضمنت لك سقطة إن جاءت على لسانه، ولقد انتخبه بعلمك واخترته برأيك، فإن جاءتك فلا عليك بل على نفسه، وبعد، فمهما كنت صانعاً به أيها الأمير لو ظفرت به، أهو أكثر من أن تقتله؟ فقد قتله الله وكفاك أمره. فقال زياد: يا سلم، انطلق به فاحبسه الليلة حتى ينكل به غداً على رؤوس الناس. فدفعه سلم إلى غلام له فقال: امض به إلى الحبس. فمضى به الغلام، فلما كانوا في بعض الطريق أفلته الفتى وفر هارباً وأنشأ يقول: من الطويل
وأيقنت أني إن لبثت ساعة ... على باب سلم سار جسمي إلى قبري
جميعاً وشتى مدرجاً في عباءة ... فرأسي بعيد وهو أقرب من شبر
وجاء البخاريون يبتدرونني ... عيون لهم خرز توقد كالجمر
عكوف على الأبواب من يؤمروا به ... فليس براء أهله آخر الدهر
عشية يدعوهم دويد ومن يجب ... دويداً فقد لاقى العظيم من الأمر
ولله أيام أتين ثلاثة ... غلبن علينا القوم من كل ذي صبر