فنسيت المرأة ليلة أن تؤدي إليه سراجاً وطعاماً حتى مضى من الليل ما مضى، فأويت إلى فراشي، وأطفأت المرأة السراج، وجاءت لتأوي إلى فراشها، فذكرت أنها لم تؤد إلى الغلام طعاماً ولا سراجاً فوثبت مسرعة فقدحت وأسرجت وأخذت طعاماً وسراجاً، ومضت إلى الغلام فوجدته مستقبلاً القبلة قائماً، وقنديلاً يسرج، فمسحت عينيها، وأحدّت النظر، فإذا الغلام قائم، والقنديل يسرج، فرجعت إلى قاسم فأنبهته وأخبرته وقالت: قم حتى أريك. قال: فلبست ثوبي ومضيت معها. فقالت: إن هذا الفتى أنسيت أن أودي إليه طعاماً وسراجاً إلى هذا الوقت، وجئت فرأيته على هذه الحالة. فقلت لها: سألتك بحق كذا وكذا الذي كنت تخصيني به خصي به هذا الغلام، متى كنت أؤمل أن أرى مثل هذا؟! وهذا ولي من أولياء الله. فلما أصبحنا خرجت أنا والغلام إلى المسجد، فلم نزل حتى صلينا العشاء الآخرة، ثم نهض ونهضت، وأحببت الاعتذار إليه وأعذر المرأة وشرحت له الحال، فقال: يا قاسم، عليك السلام. فقلت له: إلى أين تريد الساعة، ولا أحد يذهب ولا يجيء. وتضرعت إليه ليبيت تلك الليلة فأجابني إلى ذلك. فقمت إلى مزود عندي فجعلت فيه فتيتاً وركوة وعشرة دراهم. وأصبحنا، فغدوت وغدا الغلام معي إلى المسجد، فلما صلينا الغداة نهض الغلام ونهضت معه، فمضينا حتى صرنا إلى الموطأة، فقلت: إلى أين تومي؟ فقال: إلى بيت المقدس، وقال: ارجع من هاهنا فقلت: خذ هذا الفتيت تشربه في الطريق، وهذه الركوة تتوضأ فيها للصلاة، وهذه العشرة دراهم ما كان عندي غيرها، ولكن يرزق الله. فقال: يا قاسم، ما لي فيها حاجة. فأقبلت أطلب إليه وأتملقه، فبعد حين أخذ الركوة، فقال: هذه أتوضأ فيها للصلاة وأذكرك بها. فقلت: فخذ هذا الفتيت وهذه الدراهم. فأدخل يده في كمه، فأخرج كفه مملوءة دنانير. ثم قال لي: يا قاسم، من كان هذا معه أيش يعمل بدراهمك؟ فأقبلت أنظر إلى الدنانير في كمه، ثم رمى بها إلى الأرض، فنطرت إلى الموضع الذي رماه والتفت فلم أر الغلام.