للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدث أبو شعيب قال:

سألت إبراهيم بن أدهم أن أصحبه إلى مكة، فقال لي: على شريطة، على أنك لا تنظر إلاّ لله وبالله، فشرطت له ذلك على نفسي، فخرجت معه.

فبينا نحن في الطواف فإذا أنا بغلام قد افتتن الناس به لحسنه وجماله، فجعل إبراهيم يديم النظر إليه، فلما أطال ذلك قلت: يا أبا إسحاق، أليس شرطت على ألاّ تنظر: إلاّ لله وبالله؟ قال: بلى، فإني أراك تديم النظّر إلى هذا الغلام! فقال: هذا ابني وولدي، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه، ولولا شيء لقّبلته، ولكن انطلق فسلّم عليه منّي، وعانقه عنّي.

قال: فمضيت إليه وسلّمت عليه من والده وعانقته، فجاء إلى والده فسلّم عليه ثم صرفه مع الخدم، فقال: أرجع النّظر، أيش يراد بك، فأنشأ يقول: من الوافر

هجرت الخلق طرّاً في هواكا ... وأيتمتها العيال لكي أراكا

ولو قطعتني في الحبّ إرباً ... لما خن الفؤاد إلى سواكا

قال أبو إسحاق الفزاري: كان إبراهيم بن أدهم يطيل السكوت، فإذا تكلّم ربّما انبسط، فأطال ذات يوم السكوت، فقلت له: لم؟ ألا تكلمت؟ فقال: الكلام على أربعة وجوه؛ فمن الكلام كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل في هذا السّلامة منه: ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفّة المؤونة على يديك ولسانك؛ ومنه كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الدّاء العضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا كلام يحب عليك نشره.

فإذا هو قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام.

قال سليمان الموصلي: قلت لإبراهيم بن أدهم: لقد أسرع إليك الشيّب في رأسك! قال: ما شيّب رأسي إلاّ الرفقاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>