وفي حديث آخر: أطوع الناس لمخلوق في معصية الخالق، وأجرؤهم على الموت لا يدري ما بعده. دمشقيهم يشتمل ولا يدري، وحمصيهم يسمع ولا يعي.
قال: والمراد في هذه الحكايات ما كان عليه أهل الشام من طاعة أئمتهم وأمرائهم، واقتدائهم في الفتن والحروب بآرائهم، من غير نظر في عواقب الفتن كما فعلوا في سالف الزمن من قتالهم علي بن أبي طالب، وهو الإمام المرتضى، وفعلهم يوم الحرة، وحصار ابن الزبير. وتلك أمور قد خلت، وفتن قد مضت، عصم الله منها.
وابن الكواء لا يعتمد على ما يرويه، فكيف يعتمد على ما يقوله عن نفسه؟ قال أبو المخيس: كنت جالساً عند الأحنف، فأتاه كتاب من عبد الملك بن مروان يدعوه إلى نفسه، فقال: يدعوني ابن الزرقاء إلى طاعة أهل الشام؟! ولوددت أن بيننا وبينهم جبلاً من نار، من أتانا منهم احترق، ومن أتاهم منا احترق.
وهذا، لما كان يجري بين أهل الشام والعراق من الحروب، وأما الآن فقد آلف الله بين القلوب.
وعن الأوزاعي قال: لا نأخذ من قول أهل العراق خصلتين، ولا من قول أهل مكة خصلتين، ولا من قول أهل المدينة خصلتين، ولا من قول أهل الشام خصلتين: فأما أهل العراق فتأخير السحور وشرب النبيذ، وأما أهل مكة فالمتعة والصرف، وأما أهل المدينة فإتيان النساء في أدبارهن والسماع، وأما أهل الشام فبيع العصير وأخذ الديون.
قال: وهذان الأمران قد ذهبا. أما بيع العصير فليس في الشام اليوم عالم يبيحه، وأما الديوان فقد منعهموه السلطان.