وجدنا غالباً كانت جناحاً ... وكان أبوك قادمة الجناح
ثم تقول فيه:
أعبد الواحد المأمول إنّي ... أغضّ حذار سخطك بالقراح
فبأي شيء استوجب ذلك منك؟ فقال: إني أخبرك بالقصّة لتعذرني؛ أصابتني أزمة وقحمةً بالمدينة، فاستنهضتني ابنة عمي عمّي للخروج، فقلت لها: ويحكّ إنه ليس عندي ما يقلّ جناحي؛ فقالت: أنا أنهضك بما أمكنني؛ وكانت عندي ناب لي، فنهضت عليها بنجّد النوّام ونؤدي السّمّار، وليس من منزل أنزله إلاّ قال النّاس: ابن هرمة، حتى دفعت إلى دمشق، فأويت إلى مسجد عبد الواحد في الّيل، فجلست فيه أنتظره إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر، فإذا الباب ينفلق عن رجل كأنه البدر، فدنا فأذّن ثم صلّى ركعتين، وتأمّلته فإذا هو عبد الواحد، فقمت فدنوت منه وسلّمت عليه، فقال: أبا إسحاقّ أهلاً ومرحباً، فقلت: لبّيك، بأبي وأمي وأنتّ وحيّاك الله بالسّلام وقرّبك من رضوانه، فقال: أما آن لك أن تزورنا؟ فقد طال العهد، واشتد الشّوق، فما وراءك؟ قلت: لا تسألين، بأبي أنت، فإن الدّهر قد أخنى عليّ، فما وجدت مستغاثاً غيرك؛ فقال: لا ترع، فقد وردت على ما تحبّ إن شاء الله.
فوالله إني لأخاطبه، فإذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشطان، فسلّموا عليه، فاستدنى الأكبر منهم، فهمس إليه بشيء دوني ودون أخويه، فمضى إلى البيت، ثم رجع، فجلس إليه فكلّمه بشيء دوني ثم ولّى، فلم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط يحمل عبئاً من الثّياب حتى ضرب به بين يديّ، ثم همس إليه ثانية فعاد، وإذا به قد رجع ومعه مثل ذلك، فضرب به بين يديّ، فقال لي عبد الواحد: ادن يا أبا إسحاق، فإني أعلم