وزالت عنه النّعمة، ولحقته النّحوس، وساءت حاله، ورثّت ثيابه، وشعث شعره، وكثر سهره، وقلّ فرخه، فوجد درهماً، فقال: آخذ شعري، وأغسل ثوبي، وأدخل الحمّام؛ فكسر الدّرهم بأربعة وجعله في جيبه، ومضى يغسل ثوبه، فسقطت القطع من جيبه، ولم يبق منها إلاّ قطعة واحدة، فرجع واجتاز في طريقه بحمّام فدخله، وأعطى القطعة؛ فلّما دخل الحمّام نام فيه، وقصد ذلك الحمّام رجل من الأغنياء ذو حشم وغلمان، فدخل الحمّام وليس فيه إلاّ هذا النّائم، فأراد الغلمان طرده، فنهاهم عن ذلك، وقال: دعوه.
فلّما انتبه الرّجل استحيا وأراد الخروج، فدعاه الرّجل إليه، وخاطبه وكلّمه، فإذا رجل أديب متكلم فهم ظريف، قد كملت فيه الأخلاق الشّريفة، إلاّ انه فقير لا شيء له؛ وإذا بالرّجل الغنيّ صاحب الحشم رجل قصير، أعور، مقطوع الأذنين، أحدب؛ فعجب من نفسه وحاله ومن الرّجل.
فأمر الرّجل غلمانه، فغسلوا رأسه، ودعا بمزيّن فأخذ شعره، ودعا له بثياب جدد، فلبسها، وحمله معه إلى منزله، وقدّم له طعاماً سريّاً، فأكل معه، وأمر له بمئة دينار، وقال له: قد أجريت لك في كلّ شهر عشرة دنانير، أكسوك كسوة الشّتاء والصّيف.
فقال له: يا سيّدي، أريد أن تحدّثني ما الذي كان بسببه قطع أذناك، وقلعت عينك، وما هذه الحدبة التي في ظهرك؟ فقال له الرّجل: يا هذا، وأيش سؤالك عمّا لا يعنيك، اله عن هذه؛ قال: لا بدّ أن تحدّثني؛ قال: يا هذا؛ إنّ هذا الذي تسألني عنه شيء ما حدّثت به أحداً قطّ، ولا جسر أحد يسألني عنه غيرك؛ وأنا الذي جلبت لنفسي هذه البليّة بإدخالك منزلي، فقم عافاك الله وانصرف.
فقال: لا والله لا برحت أو تحدّثني؛ فقا: يا هذا، اختر منّي خصلة من اثنتين؛ إمّا أن تنصرف وقد سوّغتك ما وهبت لك، وإمّا أن أحدّثك وآخذ منك كلّ ما أعطيتك، وألبسك خلقك، وأضربك مئة عصاً تأديباً لك!
فقال: يا سيدي، خذ منّي، واعمل بي ما شئت بعد ذلك؛ فقال للغلمان: اعتزلوا،