يا أبرش، ما منعك من السّجود وقد سجدت وسجد هذا وهذا؟ قال: أمّا أنت فأتتك الخلافة فشكرت الله عزّ وجلّ على عطاء جزيل، وأما هذا فكاتبك وشريكك، وأمّا هذا فحاجبك والمؤدّي عنك وإليك، وأمّا أنا فرجل من العرب لي بك حرمة وخاصيّة، وأنا أخاف أن تغيّرك الخلافة، فعلى ماذا أسجد؟ قال: وإنّما منعك من السّجود ما ذكرت!؟ نعم؛ قال: فلك ذمّة الله وذمّة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا أتغيّر عليك؛ قال: الآن طاب السّجود، الله أكبر.
وحدّث الأبرش، قال: دخلت على هشام بن عبد الملك، فسألته حاجة، فامتنع عليّ، فقلت: يا أمير المؤمنين لا بدّ منها، فإنّا قد ثنينا عليها رجلاً؛ قال: ذاك أضعف لك، أن تثني رجلك على ما ليس عندك؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما كنت أظنّ أنّي أمدّ يدي إلى شيء ممّا قبلك إلاّ نلته؛ قال: ولم؟ قلت: لأنّي رأيتك لذلك أهلاً، ورأيتني مستحقّة منك؛ قال: يا أبرش، ما اكثر من يرى أنه مستحقّ أمراً ليس له بأهل؛ فقلت: أفّ لك! إنك والله ما علمت قليل الخير نكده، والله إن نصيب منك الشّيء إلاّ بعد مسألة، فإذا وصل إلينا مننت به، والله إن أصبنا منك الخير قطّ.
قال: لا والله، ولكنّا وجدنا الأعرابيّ أقلّ شيء شكراً؛ قلت: والله إني لأكره الرّجل يحصي ما يعطي.
ودخل عليه أخوه سعيد بن عبد الملك، ونحن في ذلك، فقال: مه يا أبا مجاشع، لا تقل ذلك لأمير المؤمنين.
قال: فقال هشام: أترضى بأبي عثمان بيني وبينك؟ قلت: نعم؛ قال: قال سعيد: ما تقول يا أبا مجاشع؟ فقلت: لا تعجل، صحبت والله هذا، وهو أرذل بني أبيه، وأنا يومئذ سيّد قومي، وأكثرهم مالاً، وأوجههم جاهاً، ادعى إلى الأمور العظام من قبل الخلفاء، وما يطمع هذا يومئذ فيما صار إليه حتى إذا صار إلى البحر الأخضر غرف لنا منه غرفةً، ثم قال: حسبك؛ فقال هشام: يا أبرش، اغفرها لي، فوالله لا أعود بشيء تكرهه أبداً، صدق يا أبا عثمان.