وعن أبي عبد الرحمن الأعرج قال: لم أر أرطاة بن المنذر قطّ يسعل ولا يعطس ولا يبزق، ولا يحكّ شيئاً من جسده، ولا يضحك، قال: وإنما عرف موته حين حضره الموت، أنه حكّ هذا عند أنفه؛ قال: فقال أصحابه: حكّ أبو عديّ! قال: فكأن جلساءه أيسوا منه حين حكّ.
وعن أبي مطيع معاوية بن يحيى: أن شيخاً من أهل حمص خرج يريد المسجد، وهو يرى أنه قد أصبح، فإذا عليه ليبل طويل، فلّما صار تحت القبّة سمع صوت جرس الخيل على البلاط، فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضاً. قال بعضهم لبعض: من أين قدمتم؟ قالوا: ولم تكونوا معنا؟ قالوا: لا؛ قالوا: قدمنا من جنازة البديل خالد بن معدان؛ قالوا: وقد مات؟ ما علمنا بموته؛ قال: فمن استخلفتم بعده؟ قالوا: أرطاة بن المنذر. فلّما أصبح الشّيخ حدّث أصحابه، فقالوا: ما علمنا بموت خالد بن معدان؛ فلّما كان نصف النّهار قدم البريد من أنطرطوس يخبر بموته.
وعن أرطاة بن المنذر، وكان من الحكماء، قال: لا يزال العبد متعلماً ما كان في الدّنيا، فإذا قال: قد اكتفيت، فهو أجهل ما يكون بأمر الدّنيا.
وقال: آية المتكلّف ثلاث: يتكلّم فيما لا يعلم، وينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال.
وقال: احذروا الدّنيا لا تسحركم، فهي والله أسحر من هاروت وماروت.
مات سنة ثلاث وستين ومئة، وفي خبر آخر، أنه مات سنة ست وخمسين ومئة.