بعد؛ فدعا امرأته فسألها، فقالت مثل ذلك ففرّق بينهما، وزوّجه امرأة في بيت أشرافهم، فأدخلت عليه، فاستكتمها أمره مثل ما استكتم الأولى؛ فلّما مضت سنة، فسأله أبوه مثل ما سأل، فقال: ما طال ذلك يا أبه؛ فسأل المرأة فقالت: كيف تحمل المرأة من غير زوج؟ ما مسني! فغضب أبوه، فهرب منه حتى بعثه الله نبيّاً مع ناشية الملك وجاءه الوحي.
وعن وهب بن منبه: إنّ الله تعالى لمّا بعث إرميا إلى بني إسرائيل، وذلك حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وعملوا بالمعاصي فقتلوا الأنبياء، طمع بخت نصّر فيهم، وقذف الله في قلبه، وحدّث نفسه بالمسير إليهم لمّا أراد الله أن ينتقم به منهم، فأوحى الله إلى إرميا: إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم، فقم على صخرة بيت المقدس يأتيك أمري ووحيي؛ فقام إرميا فشقّ ثيابه وجعل الرّماد على رأسه وخرّ ساجداً، وقال: يا ربّ، وددت أن أميّ لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل، فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي.
فقيل له: ارفع رأسك؛ فرفع رأسه؛ قال: فبكى، ثم قال: يا رب، من تسلّط عليهم؟ قال: عبدة النّيران، لا يخافون عقابي ولا يرجون ثوابي، قم يا إرميا فاستمع وحيي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل: من قبل أن أخلقك اخترتك، ومن قبل أن أصوّرك في رحم أمّك قدّستك، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهّرتك، ومن قبل أن تبلغ نبأتك، ومن قبل أن تبلغ الأشدّ اخترتك، ولأمر عظيم اجتبيتك، فقم مع الملك ناشية تسدّده وترشده.
فكان معه يرشده ويأتيه الوحي من الله حتى عظمت الأحداث، ونسوا ما نجّاهم الله من عدوّهم سنحاريب وجنوده، فأوحى الله تعالى إلى إرميا: قم فاقصص عليهم ما آمرك به، وذكّرهم نعمتي، وعرّفهم أحداثهم.
فقال إرميا: يا ربّ إني ضعيف إن لم تقوّني، عاجز إن لم تبلّغني، مخطئ إن لم تسدّدني، مخذول إن لم تنصرني، ذليل إن لم تعزّني.
فقال الله له: أو لم تعلم أنّ الأمور كلّها تصدر عن مشيئتي، وأن الخلق والأمر كلّه