لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، وكشف له ما بينه وبين الشام، فهو ينظر إلى معتركهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان فحبب إيه الحياة وكره إليه الموت، وحبب إليه الدنيا " فقال: الآن؟ أحين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تحبب إلي الدنيا؟! فمضى قدماً حتى استشهد، فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: استغفروا له، وقد دخل الجنة وهو يسعى، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة، وكره إليه الموت، ومناه الدنيا فقال: الآن؟ حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا! ثم مضى قدماً حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعا له. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة، فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة ". ثم أخذ الراية بعده عبد الله بن رواحة فاستشهد ثم دخل الجنة معترضاً، فشق ذلك على الأنصار، قيل: يا رسول الله، ما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل، فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة، فسري عن قومه.
وروي أنه لما قتل عبد الله بن رواحة انهزم القوم أسوأ هزيمة رأيتها قط، في كل وجه، ثم إن المسلمين تراجعوا فأقبل رجل من الأنصار، يقال له ثابت بن أقرم فأخذ اللواء وجعل يصيح بالأنصار، فجعل الناس يثوبون إليه من كل وجه، وهم قليل، وهو يقول: إلي أيها الناس، فاجتمعوا إليه، قال: فنظر ثابت إلى خالد بن الوليد فقال: خذ اللواء يا أبا سليمان فقال: لا آخذه، أنت أحق به، أنت رجل لك سن وقد شهدت بدراً، قال ثابت: خذه أيها الرجل، فوا لله ما أخذته إلا لك فأخذه خالد، فحمله ساعة وجعل المشركون يحملون عليه فتثبت حتى تكركر المشركون، وحمل بأصحابه، ففض جمعاً من جمعهم، ثم دهمه منهم بشر كثير وانحاش بالمسلمين فانكشفوا راجعين.
قال عطاف بن خالد: لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدوا، وقد جعل مقدمته