والأغلال، ثم لأعيدنّ فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب، وبعد البروج المشيّدة مساكن السّباع، وبعد صهيل الخيل عواء الذّئاب، وبعد ضوء السّراج دخان الحريق، وبعد الأنس الوحشة والقفار. ثم لأبدّلنّ نساءها بالأسورة الأغلال، وبقلائد الدّرّ والياقوت سلاسل الحديد، وبألوان الطّيب والأدهان النّقع والغبار، وبالمشي على الزّرابي عبور الأسواق والأنهار والخبب إلى اللّيل في بطون الأسواق، وبالخدور والسّتور الحسور عن الوجوه والسّوق والأسفار والأرواح السّموم.
ثم لأدوسنّهم بأنواع العذاب حتى لو كان الكائن منهم في حالق لوصل ذلك إليه، إني إنّما اكرم من أكرمني، وإنّما أهين من هان عليه أمري، ثم لآمرن السّماء خلال ذلك فلتكوننّ طبقاً من حديد، ولآمرنّ الأرض فلتكوننّ سبيكةً من نحاس، فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت، فإن أمطرت خلال ذلك شيئاً سلّطت عليه الآفة، فإن خلص لهم منه شيء نزعت منه البركة، وإن دعوني لم أجبهم، وإن سألوني لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرّعوا إليّ صرفت وجهي عنهم.
وإن قالوا: اللهم أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك، وذلك بأنك اخترتنا لنفسك، وجعلت فينا نبوّتك وكتابك ومساجدك، ثم مكّنت لنا في البلاد واستخلفتنا فيها، وربّيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغاراً، وحفظتنا وإيّاهم برحمتك كباراً، فأنت أولى المنعمين أن لا تغّير وإن غيّرنا، ولا تبدّل وإن بدّلنا، وأن يتّم نعمته وفضله ومنّه وطوله وإحسانه.
فإن قالوا ذلك، قلت لهم: إني أبتدئ عبادي برحمتي ونعمتي، فإن قبلوا أتممت، وإناستزادوا زدت، وإن شكروا أضاعف، وإن بدّلوا غيّرت، وإن غيّروا غضبت، وإذا غضبت عذّبت، وليس يقوم شيء لغضبي.
قال كعب: قال إرميا: برحمتك أصبحت أتكلم بين يديك، وهل ينبغي ذلك لي وأنا أذلّ وأضعف من أن ينبغي لي أن أتكلّم بين يديك، ولكن برحمتك أبقيتني لهذا اليوم، وليس أحد أحقّ أن يخاف هذا العذاب وهذا الوعيد منّي بما رضيت به منّي طولاً والإقامة في دار الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير تنكير ولا تغيير منّي، فإن تعذّبني فبذنبي، وإنترحمني فذلك ظنّي بك.