فتزعم أن الله معطّل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده، فمن يعبده، حتى لا يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب؟ لقد أعظمت على الله الفرية، ولقد اعتراك الجنون؛ فأخذوه وقيّدوه وسجنوه؛ فعند ذلك بعث الله عليهم بخت نصّر، فأقبل يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم، ثم حاصرهم فكان كما قال الله تعالى:" فجاسوا خلال الدّيار ".
قال: فلّما طال بهم الحصر، نزلوا على حكمه، فتحوا الأبواب، فتخلّلوا الأزقّة، فذلك قوله تعالى:" فجاسوا خلال الدّيار " وحكم فيها حكم الجاهليّة وبطش الجبّارين، فقتل منهم الثلث، وسبى الثلث، وترك الزّمني والشّيوخ والعجائز، ثم وطئهم بالخيل، وهدّم بيت المقدس، وساق الصّبيان، وأوقف النّسار في الأسواق محسّرات، وقتل المقاتلة، وخرّب الحصون، وهدم المساجد، وحرّق التّوراة، وسأل عن دانيال الذي كان كتب له الكتاب فوجده قد مات، وأخرج أهل بيته الكتاب إليه، وكان فيهم دانيال بن حزقيل الأصغر، وبنشايل، وعزرايل، وميخايل، فأمضى لهم ذلك الكتاب، وكان دانيال بن حزقيل خلفاً من دانيال الأكبر.
ودخل بخت نصّر بجنوده بيت المقدس ووطئ الشّام كلّها، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، فلّما بلغ منها انصرف راجعاً، وحمل الأموال التي كانت بها، وساق السّبايا معه، فبلغ عدّة صبيانهممنأبناء الأحبار والملوك تسعين ألف غلام، وقذف الكناسات في بيت المقدس، وذبح فيه الخنازير؛ فكان الغلمان سبعة آلاف غلام من بيت داود، وأحد عشر ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه بنيامين، وثمانية آلاف من سبط أشير بن يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من سبط زبالون ونفتالي بن يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من سبط دان بن يعقوب، ويمانية آلاف من سبط يسياخير بن يعقوب، ألفين من سبط رالون بن يعقوب، ورابعة آلاف من سبط روبيل ولاوي، واثنا عشر ألفاً من سائر بني إسرائيل؛ فانطلق بهم حتى قدم أرض بابل.