قضاءها ليس يعوض من بذل وجهه إلي؛ ولا جلس إلي رجل قط إلا رأيت له الفضل علي حتى يقوم من عندي؛ ولا جلست مع قومٍ قط فبسطت رجلي إعظاماً لهم وإجلالاً حتى أقوم عنهم.
قال له عبد الملك: حق لك أن تكون شريفاً سيداً.
قال أسماء بن خارجة: ما شتمت أحداً قط، ولا رددت سائلاً قط، لأنه إنما يسألني أحد رجلين: إما كريم أصابته خصاصة وحاجة، فأنا أحق من سد خلته، وأعانه على حاجته، وإما لئيم أفدي عرضي منه. وإنما يشتمني أحد رجلين: كريم كانت منه زلة وهفوة، فأنا أحق من غفرها، وأخذ بالفضل عليه فيها؛ وإما لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضاً؛ وما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط فيرى أن ذلك استطالة مني عليه؛ ولا قضيت لأحد حاجة إلا رأيت له الفضل علي حيث جعلني في موضع حاجته.
وأتى الأخطل عبد الملك فسأله حمالات تحملها عن قومه، فأبى وعرض عليه نصفها؛ فقدم الكوفة فأتى بشر بن مروان فسأله، فعرض عليه مثل ما عرض عليه عبد الملك، ثم أتى أسماء بن خارجة فحملها عنه كلها، فقال فيه: من الوافر
إذا ما مات خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء
ولا رجع البشير بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء
فيوم منك خير من رجال ... كثير حولهم غنم وشاء
فبورك في بنيك وفي أبيهم ... وإن كثروا ونحن لك الفداء
فبلغت القصة عبد الملك، فقال عرض بنا النصراني وقال محمد بن سلام الحجمي: وقال يعني القطامي يمدح أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري:
إذا مات ابن خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء