قال: فدخلنا فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضاً من الثلج، وإذا وجهه ولحيته كذلك، ما أدري أيهما أشد ضوءاً ثيابه أو وجهه! فإذا هو أعلى جسماً منا بذراعين أو ثلاثة.
قال: فسلمنا عليه فرد علينا السلام، ثم قال: مرحباً، أنتما رسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالا: فقلنا: نعم، قالا: فقلنا من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا إلياس النبي، خرجت أريد مكة فرأيت عسكركم، فقال لي جندٌ من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل: هذا أخوك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم عليه والقه، ارجعا فأقرئاه السلام، وقولا له: لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلا أني أتخوف أن تذعر الإبل ويفزع المسلمون من طولي، فإن خلقي ليس كخلقكم، قولا له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني.
قال حذيفة وأنس: فصافحناه، فقال لأنس خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هذا؟ قال: حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فرحب به ثم قال: والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض يسميه أهل السماء صاحب سر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال حذيفة: هل تلقى الملائكة؟ قال: ما من يوم إلا وأنا ألقاهم، ويسلمون علي وأسلم عليهم.
قال: فأتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنا حتى أتينا الشعب وهو يتلألأ وجهه نوراً.
وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلكم ".
قال: فتقدمنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر خمسين ذراعاً، وعانقه ملياً، ثم قعدا.
قالا: فرأينا شيئاً كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل قد أحدقت به وهي بيض، وقد نشرت أجنحتها فحالت بيننا وبينهم، ثم صرخ بنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا حذيفة ويا أنس تقدما ".
فتقدمنا، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئاً قط أحسن منها، قد غلب خضرتها لبياضها، فصارت وجوهنا خضراء وثيابنا خضراء، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب، ورطب وبقل، ما خلا الكراث.
قال: ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا بسم الله ".
قالا: فقلنا: يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا؟ قال: " لا ".
قال لنا: هذا رزقي، ولي في كل أربعين يوماً وأربعين ليلة أكلة يأتيني بها الملائكة، وهذا تمام الأربعين يوماً والليالي، وهو شيء يقول الله عز وجل له: كن فيكون قال: فقلنا: من أين وجهك؟ قال: وجهي من خلف رومية، كنت في جيش من الملائكة مع جيش من المسلمين غزوا أمةً من الكفار.
قال: فقلنا: فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه؟ قال: أربعة أشهر، وفارقته أنا منذ عشرة أيام، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة، وهي ريي وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل.
قال: فقلنا: فأي المواطن أكبر معارك؟ قال: الشام وبيت المقدس