ذلك المفرط، وقد بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما مات ابنه إبراهيم واشتد عليه وجده وجعلت عيناه تدمعان قال:" تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ".
قال: فأرسل عينيه، فبكى حتى ظننا أن نياط قلبه قد انقطع، قال: فقال عمر بن عبد العزيز لرجاء: يا رجاء ما صنعت بأمير المؤمنين؟ قال: دعه يقضي من بكائه وطراً، فإنه إن لم يخرج من صدره ما ترى خفت أن يأتي على نفسه.
قال: ثم رقأت عبرته، فدعا بماء فغسل وجهه، وأقبل علينا حتى قضى أيوب، وأمر بجهازه، وخرج يمشي أمام الجنازة، فلما دفناه، وحثا التراب عليه وقف ملياً ينظر إليه، وقال:" من الطويل "
وقوف على قبر مقيم بقفرة ... متاع قليل من حبيب مفارق
ثم قال: السلام عليك يا أيوب، وأنشد:" من السريع "
كنت لنا أنساً ففارقتنا ... فالعيش من بعدك مر المذاق
ثم قال: أدن مني دابتي يا غلام، فركب، ثم عطف رأس دابته إلى القبر وقال:
لئن صبرت فلم أقبلأ
ألفظك من شبعٍ ... وإن جزعت فعلقٌ منفسٌ ذهبا
فقال له عمر بن عبد العزيز: الصبر يا أمير المؤمنين، فأنه أقرب إلى الله وسيلة، وليس الجزع بمحيي من مات ولا راد ما فات.
قال: صدقت وبالله التوفيق.
وقال الأصمعي: وعزى رجل سليمان بن عبد الملك عن ابنه أيوب فقال: إن من أحب البقاء، وأمن الحدثان لعازب الرأي.