فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرينه الشمس عند طلوعها ... ويعرض ذكراه إذا عسعس الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول أحزاني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيش في الأرض جاهداً ... ولا أسأم التطوف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرئ فانٍ وإن غره الأمل
ثم إن حارثة أقبل إلى مكة في إخوته وولده وبعض عشيرته، فأصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفناء الكعبة في نفر من أصحابه وزيداً فيهم، فلما نظروا إلى زيد عرفوه وعرفهم، فقالوا له: يا زيد، فلم يجبهم إجلالاً منه لسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتظاراً منه لرأيه.
فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من هؤلاء؟ " قال: يا رسول الله، هذا أبي وهذان عماي، وهذا أخي، وهؤلاء عشيرتي.
فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قم فسلم عليهم يا زيد ".
فقام فسلم عليهم، وسلموا عليه، وقالوا: امض معنا يا زيد.
قال: ما أريد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلاً، فقالوا له: يا محمد إنا معطوك بهذا الغلام ديات، فسم ما شئت فإنا حاملوها إليك.
قال: أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني خاتم أنبيائه ورسله.
فأبوا وتلكؤوا وتلجلجوا، وقالوا: تقبل ما عرضنا عليك يا محمد؟ فقال: " هاهنا خصلة غير هذه، قد جعلت أمره إليه، إن شاء فليقم وإن شاء فليرحل ".
قالوا: قضيت ما عليك يا محمد، وظنوا أنهم قد صاروا من زيد إلى حاجتهم، قالوا: يا زيد قم قد أذن لك محمد فانطلق معنا.
قال: هيهات هيهات، ما أريد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلاً، ولا أوثر عليه والداً ولا ولداً، فأداروه وألاصوه واستعطفوه وذكروا وجد من وراءهم به، فأبى وحلف أن لا يصحبهم، فقال حارثة: يا بني أما أنا فإني مؤنسك بنفسي، فآمن حارثة وأبى الباقون، فرجعوا إلى البرية، ثم إن أخاه جبلة رجع فآمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأول لواء عقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشام لزيد، وأول شهيد كان بمؤتة زيد وثانيه جعفر الطيار، وآخر لواء عقده بيده لأسامة على اثني عشر ألفاً من الناس فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: إلى أين يا رسول الله؟ قال: " عليك