للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وكان آخر خلق مسخ فيه بخت نصر البعوضة، فأقبل في صورتها يطير حتى دخل بيته، فحوله الله إنساناً، فاغتسل بالماء ولبس المسوح، وألقى جفن سيفه، ثم خرج به صلتاً يتوكأ عليه حتى برز إلى جناته، فأمر بجمع قومه فاجتمعوا كأجمع ما كانوا قط، ثم قال: يا أيها الناس إني وإياكم كنا نعبد من دون الله ما لا يضرنا ولا ينفعنا، ولا يخلقنا ولا يرزقنا، ولا يميتنا ولا يحيينا، ولا يملك لنا من الله شيئاً، وإنه قد تبين لي من قدرة الله في نفسي أن لا إله إلا إله بني إسرائيل، فمن بايعني على هذا أو أجابني عليه، فأنا منه وهو مني، وأنا وهو في الحق سواء، ومن أبى وخالف ضربته بسيفي هذا، وأشار به إليهم - وكان فيهم مهيباً - حتى يحكم الله بيني وبينه، ألا وإني قد أجلتكم يومي هذا، فإذا أصبحت فأجيبوني، ثم انصرف عنهم، فساعة دخل بيته وقعد على فراشه قبض الله روحه.

فقال وهب بن منبه: سألني ابن عباس عن قصة بخت نصر فقصصتها عليه، فقال ابن عباس: ما شبهت إيمانه إلا بإيمان سحرة فرعون حين قالوا: آمنا برب موسى وهارون.

وكان وهب بن منبه يقول:

لما مسخ بخت نصر كان في ذلك يعقل عقل الإنسان، ثم رد الله روحه فدعا إلى توحيد الله، وقال: كل إله باطل إلا إله السماء.

قال بكار: فقيل لوهب: أمؤمناً مات؟ فقال: وجدت أهل الكتاب قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: قد آمن قبل أن يموت، وقال بعضهم: قتل الأنبياء، وحرق الكتب، وخرب بيت المقدس، فلن تقبل توبته.

وقيل: إن بخت نصر لما قتل بني إسرائيل وخرب بيت المقدس، وسار بسبايا بني إسرائيل إلى أرض بابل، فسامهم سوء العذاب، فأراد أن يتناول السماء، فجمع بني إسرائيل وعظماء أهل بابل ممن عنده علم، فقال لهم: إني قد قهرت أهل الأرض، فأريد أن أتناول ملك السماء، فهل عندكم علم أو حيلةٌ أصعد إلى السماء؟ فقالوا: لا.

فقال لهم: انطلقوا فاطلبوا لي حيلة أصعد بها إلى السماء.

فسلط الله عليه بعوضة، فدخلت منخره، فوقعت في دماغه، فلم تزل

<<  <  ج: ص:  >  >>