سئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع؟ فقال: أنا، أستغفر الله، لا يحل لي أن أتكلم في الورع، أنا آكل من غلة بغداد، لو كان بشر بن الحارث، صلح أن يجيبك عنه، فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد، ولا من طعام السواد، يصلح أن يتكلم في الورع.
كان بشر يقول: إن الجوع يصفي الفؤاد، ويميت الهوى، ويورث العلم الدقيق.
وكان يقول: طوبى لمن ترك شهوةً حاضرةً لموعد غائب لم يره.
قال بشر بن الحارث: ما تركت الشهوات منذ أربعين سنة إلا أنه لا يصفو لي درهمٌ حلال.
قال أبو حفص ابن أخت بشر بن الحارث: اشتهى بشر سفرجلة في علته، فقالت لي أمي: يا بني اطلب لي سفرجلة.
قال: فجئت بها، فأخذها، فجعل يشمها، قال: ثم وضعها بين يديه.
فقالت أمي: يا أبا نصر كلها، قال: ما أطيب ريحها! قال: فما زال يشمها حتى مات، وما ذاقها.
قال عبد الوهاب: ما رأيت أحداً أقدر على ترك شهوةٍ من بشر الحافي.
وقال عبد الله الرضواني: ما رأيت أحداً من الزهاد إلا وهو يذم الدنيا ويأخذ منها، غير بشر بن الحارث، فإنه كان يذمها ويفر منها.
قال أحمد بن المغلس: سمعت أبا نصر بشراً وقد قال له رجل: يا أبا نصر ما أشد حب الناس لك! فغلظ ذلك عليه، ثم قال: ولك عافاك الله، قال: وكيف؟ قال: دع لهم ما في أيديهم.
فذكرت لأبي نصر فقلت: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، حدثنا مالك عن