عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ القرون الميل
للحق حتى ينتحوا للأعدل
وسمعه الفتى فقال: أحسنت والله، وأجدت، رح معي، فراح معه وجلس على الباب، فلما طابت نفس عبد الملك بعث القرشي بغلامه إليه أن يعلو السور ويرفع صوته بالأبيات، وكان من أحسن الناس صوتاً، ففعل، فلما سمع عبد الملك صوته طرب وقال: من هذا؟ قال الفتى: هذا رجلٌ من أهل الحجاز قدم علينا فأحببت أن تسمع حداءه؛ قال: هاتوه فجاؤوا به، فسمعه من قريب، ثم قال: أتغني غناء الركبان؟ قال: نعم، قال: فغن، فغناه فازداد طربه واستزاده، ثم قال له: هل تغني الغناء المتقن؟ قال: نعم، قال: عن، فغناه فاهتز عبد الملك طرباً، واستزاده فقال له: إن لك في القوم اسماً كبيراً فمن أنت منهم؟ قال: أنا المظلوم المنفي، المقبوض ماله ابن مسجح، فأمر بالكتاب إلى عامله برد ماله، وألا يعرض له بسوءٍ إذا عاد إلى وطنه.
وأمر له بمائة، وسأل القرشي عن خبره؟ فأخبره به، فضحك حتى استغرب، فقال عن الصوت الذي أخطأت فيه الجارية فغناه وهو للحادرة:" من الكامل "
بكرت سمية غدوةً فتمتع ... وغدت غدوة مفارقٍ لم يرجع
وتعرضت لك فاستبتك بواضحٍ ... صلتٍ كمنتص الغزال الأتلع
أسمي ما يدريك كم من فتيةٍ ... باكرت لذتهم بأدكن مترع
بكروا علي بسحرةٍ فصحبتهم ... من عاتقٍ كدم الذبيح مشعشع
فطرب عبد الملك ورمى إليه بمطرفٍ كان عليه وقال له: كن مع الحرس مادمت مقيماً حتى نأنس بصوتك، ففعل، وتوسل مولى برق الأفق إليه بصاحب منزله حتى وصل إليه فوصله صلةً سنية، وأخذت جاريته عنه فأكثرت وانصرفت.