يكتب إلى هرقل كتاباً يدعوه إلى الله عز وجل وإلى الإسلام، فكتب إليه ووجه به مع رجلٍ من أصحابه، فأتى هرقل، فأعطاه كتاب عمر، فسر به وأجاب إلى كل خير من غير أن يجيب إلى الإسلام، ولما أراد صاحب عمر الخروج من عنده، قال هرقل يا عربي قال: قل ما تشاء؟ قال: هل لقيت ابن عمك؟ قال: من ابن عمي؟ قال: جبلة بن أيهم الغساني.
قال: لا، قال: فالقه وانظر إلى حاله، قال صاحب عمر: فأتيت جبلة بن أيهم، فما إخالني رأيت بباب هرقل من السرور والبهجة ما رأيت بباب جبلة، فلما استأذنت عليه أذن لي، فدخلت، فقام إلي ورحب بي وألطفني وعانقني وعاتبني في ترك النزول عليه.
قال: وإذا هو في بهوٍ عظيم فيه من التماثيل والهول ما لا أحسن أصفه، وإذا هو في جماعة على سريرٍ من ذهب وأربع قوائمه أسد من ذهب، وإذا هو رجلٌ أصهب ذو سبال، وإذا هو قد أمر بالذهب الأحمر فسحك فذر في لحيته، واستقبل مجلسه ذلك عين الشمس، فما أحسبني رأيت شيئاً قط أحسن منه، ثم أجلسني على شيءٍ لم أتبينه فلما تبينته إذا هو كرسيٌ من ذهب، فانحدرت عنه، فقال: ما لك؟ قلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن هذا وشبهه، قال: وسألني عن الناس، وألحف في السؤال عن عمر، ثم جعل يتنهد حتى عرف الحزن فيه، فقلت: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك وإلى الإسلام؟ قال: بعد الذي كان! قلت: نعم، وكان الأشعث بن قيس الكندي ارتد عن الإسلام فضربهم بالسيف ومنعهم الزكاة ثم دخل في الإسلام وزوجه أبو بكر الصديق، فقال: دع هذا عنك، ثم أومأ إلى وصيفٍ قائمٍ على رأسه فولى يحضر فما شعرنا إلا بالصناديق يحملها الرجال، فوضعت أمامنا مائدةٌ من ذهب فاستعفيت منها، فأمر بمائدة خلنجٍ فوضعت أمامي، وسعى علينا من كل حارٍ وبارد في صحاف ذهبٍ وفضة، قال: وأداروا علينا الخمر فاستعفيت منها، فأمر برفعها، فلما فرغنا من الطعام، أتي بطشتٍ من ذهب وإبريق من ذهب فتوضأ، ثم أومأ إلى وصيفٍ له فولى يحضر، فما كان إلا هنيهة حتى أقبل عشرة جوارٍ فقعد خمسٌ على يمينه وخمسٌ عن يساره على كراسي العاج، قال: ثم سمعت وشوشةً خلفي، فإذا عشرٌ أخر لم أر مثلهنّ حسناً وجمالاً أفضل من الأول، فقعد خمسٌ عن يمينه وخمسٌ عن يساره على كراسي الخز والوشي، ثم أقبلت جارية من أحسن ما تكون من الجواري بطائرٍ