قال محمد بن شجاع الأحمر: دخلت على المتوكل وبين يديه نصر بن علي الجهضمي، فجعل نصر يحض المتوكل على الرفق، ويمدح الرفق، ويوصي به، والمتوكل ساكت، فلما سكت نصر قال المتوكل، والتفت إلى يحيى بن أكثم القاضي فقال له: أنت يا يحيى حدثتني بسندك عن جرير بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من حرم الرفق حرم الخير. " ثم أنشأ يقول:
الرفق يمن والأناة سعادة ... فاستأن في رفق تلاق نجاحا
لا خير في حزم بغير روية ... والشك وهن إن أردت سراحا
لما مات الواثق أجمع وصيف التركي وأحمد بن أبي دؤاد ومحمد بن عبد الملك وأحمد بن خالد المعروف بابن أبي الوزير وعمر بن فرج، فعزم أكثرهم على تولية محمد بن الواثق، فأحضروه وهو غلام أمرد، فقال أحمد بن أبي دؤاد: أما تتقون الله! كيف تولون مثل هذا الخلافة؟! فأرسلوا بغا الشرابي إلى جعفر بن المعتصم فأحضروه، فقام ابن أبي دؤاد فألبسه الطويلة ودراعة، وعممه بيده على الطويلة، وقبل بين عينيه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم غسل الواثق، وصلى عليه المتوكل ودفن.
وكان المتوكل رأى في النوم كأن سكراً سليماً نيئاً سقط عليه من السماء، مكتوبا عليه: جعفر المتوكل على الله. فلما صلى على الواثق قال محمد بن عبد الملك: نسميه المنتصر، وخاض الناس في ذلك، فحدث المتوكل أحمد بن أبي دؤاد بما رآه في منامه، فوجده موافقا، فأمضى وكتب بذلك للآفاق.
ولد المتوكل سنة سبع ومائتين، وقيل خمس، وبويع بسر من رأى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وكان أسمر، حسن العينين، نحيف الجسم، خفيف العارضين، إلى القصر أقرب، كنيته أبو الفضل، وأمه أم ولد يقال لها شجاع، من سروات النساء سخاء وكرماً، ولما بويع أظهر السنة وبسطها ونصر أصحاب السنة.
ودخل دمشق في صفر سنة أربع وأربعين ومائتين، وكان من لدن شخص من سامراء إلى أن دخلها سبعة وسبعون يوما، وعزم على المقام بها ونقل دواوين الملك إليها، وأمر بالبناء بها، فتحرك الأتراك في أرزاقهم وأرزاق عيالاتهم، فأمر لهم بما أرضاهم، ثم استوبأ