بالرقاع، فوقع جعفر فيها عن آخرها بخطه بما احب أصحابها ووكد ذلك، ثم أمر الخادم أن يردها في الخف فردها، وانتبه أحمد وأخذوا في شأنهم ولم يقل له فيها شيئا، وانصرف أحمد، فركب يعلل أصحاب الرقاع بها أياما، ثم قال لكاتب له: ويلك، هذه الرقاع قد أخلقت في خفي، وهذا - يعني جعفراً - ليس ينظر، فخذها تصفحها وجدد ما خلق منها، فأخذها الكاتب فيها فوجد الرقاع موقعا فيها بما سأل أهلها وأكثر، فتعجب من كرمه ونبل أخلاقه، وأنه قضى حاجته ولم يعلمه بها، لئلا يظن أنه اعتد بها عليه.
حدث مهذب حاجب العباس بن محمد، صاحب قطيعة العباس والعباسة قال: نالت العباس إضافة، وكثر غرماؤها والمطالبون له، فأخرج سفطا فيه جوهر، شراؤه ألف ألف درهم، أعده ذخراً لبناته، فحمله إلى جعفر بن يحيى، فتلقاه جعفر وسط الصحن وجلس بين يديه، فقال له العباس: نالني ما ينال الأحرار من الإضافة، وهذا سفط شراؤه علي ألف درهم، فامر بعض تجارك أن يقبضه ويقرضني عليه خمس مائة ألف درهم فإذا وردت الغلة رددتها إليه، وأخذت السفط، قال: أفعل. وختم السفط ودفعه إلى غلام بين يديه، وأوعز إليه بسرار ثم قال: الحاجة توافيك العشية وتتفضل بالغداء عندي ففعل، فقال له: ثيابي لا تصلح على الأمير، وهذه عشرة تخوت، ومهري لين الركوب، ينصرف الأمير عليه، فانصرف وذلك بين يديه، فوجد السفط في بيته ومعه ألف ألف درهم قد وصله بها جعفر.
قال مهذب: فما بات وعليه درهم واحد، فقال لي: نبكر غداً على الرجل شاكرين له، فبكرنا فقيل لنا: هو عند أخيه الفضل، فجئنا إلى دار الفضل فقالوا: هما في دار أمير المؤمنين، فصرنا إلى دار أمير المؤمنين، فدخل مولاي فوجدهما في الصحن لم يؤذن لهما، فقال له جعفر: حدثت أخي بقصتك فأمر أن يحمل لك خازنك ألف ألف درهم، وما أشك أنها في دارك، ونحن نكلم أمير المؤمنين أعز الله نصره الساعة في أمرك، فدخلا إلى الخليفة فأمر له بثلاث مائة ألف دينار، فلم يكن في بيت المال منها حاضر إلا مائتي ألف دينار