بيده، إني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم. قالوا: فاعترض صفوف الروم وإن في جانبه الذي يستقبل لمئة ألف من الروم، فحمل عليهم، وما هو إلا في نحو من ألف فارس. قالوا: فوالله ما بلغتهم الحملة حتى فض الله جمعهم، وشد المسلمون على من يليهم من رجالهم فانكشفوا وأتبعهم المسلمون ما يمتنعون من قتل ميمنتهم ولا ميسرتهم. ثم إن خالداً انتهى في تلك الحملة إلى الدرنيجان. وقد قال لأصحابه: لفوني في الثياب، فلف في الثياب وقال: وددت أن الله كان عافاني من حرب هؤلاء القوم فلم أرهم ولم يروني، ولم أنصر عليهم ولم ينصروا علي. وهذا يوم شر. ولم يقاتل حتى غشيه القوم فقتلوه. قالوا: وقال: أيضاً قباطر وهو في ميمنة الروم لجرجين صاحب أرمينية: احمل، فقال له: أنت تأمرني أن أحمل، وأنا أمير مثلك؟ فقال له قباطر: أنت أمير وأنا أمير، وأنا فوقك، وقد أمرت بطاعتي، فاختلفا، ثم إن قباطر حمل حملة شديدة على كنافة وقيس وخثعم وجذام وقضاعة وعاملة وغسان، وهم فيما بين ميسرة المسلمين إلى القلب، فكشفوا المسلمين وزالت الميسرة عن مصافها، وثبت أهل الرايات، وأهل الحفائظ فقاتلوا، وركبت الروم أكتاف من انهزم حتى دخلوا معهم العسكر، فاستقبلهم نساء المسلمين بعمد الفساطيط يضربن بها وجوههم ويرمينهم بالحجارة ويقلن: أين أين عز الإسلام والأمهات والأزواج. قال: فتعطف هؤلاء الذين انهزموا إلى المسلمين، وتنادى الناس بالحفائظ والصبر وشد قبائه بن أسامة فقاتل قتالاً شديداً وكسر في القوم ثلاثة أرماح يومئذ وقطع سيفين، وأخذ يقول كلما قطع سيفاً أو كسر رمحاً: من يعير سيفاً أو رمحاً في سبيل الله رجلاً قد حبس نفسه مع أولياء الله، قد عاهد الله ألا يفر ولا يبرح حتى يقاتل المشركين حتى يظهر المسلمون أو يموت؟ فكان من أحسن الناس بلاء في ذلك اليوم.
ونزل أيضاً أبو الأعور السلمي فحرض على القتال، ثم إن الناس حيزوا إلى القلب. وفي القلب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل حيث وضعه أبو عبيدة بن الجراح. فلما نظر سعيد إلى الروم وخافهم اقتحم إلى الأرض وجثا على ركبتيه حتى إذا دنوا منه طعن برايته أول رجل من القوم ثم ثار في وجوههم كأنه الليث فأخذ يقاتل ويعطف الناس إليه.
قالوا: وكان يزيد بن أبي سفيان يومئذ من أعظم الناس غناء. وكان مما يلي القلب. وشد