الأحنف بن قيس. قال: أأنت المطلع غدراً، الناظر في عطفيه شزراً، تحمل قومك على مدلهمات الفتن، وتذكرهم بقديمات الإحن، مع قتلك أمير المؤمنين عثمان، وخذلانك أم المؤمنين، ورودك عليّ بالخيل يوم صفين! فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن منه ما أعرف، ومنه ما أنكر، فأما قولك قتل أمير المؤمنين، فأنتم معشر قريش نحرتم ودجه، وسقيتم الأرض دمه. وأما قولك خذلاني أم المؤمنين عائشة، فإني نظرت في كتاب الله فلم أر لها عليّ حقاً إلا أن تقر في بيتها وتستتر بسترها. فلما برزت عطّلت ما كان لها عليّ من حق. وأما قولك ورودي عليك بالخيل يوم صفين، حين أردت أن تقطع أعناقهم عطشاً وتقتلهم غرثاً. وايم الله لو أحد الأعجمين غلب كانوا أنكى شوكة وأشد كلبا. قال: اخرج عني.
ثم قال: ائذنوا لزيد بن جلبة. فدخل وقضى سلامه. فقال له: إيهاً يازييد بني جليبة! قال: مهلاً يا أمير المؤمنين، بل زيد بن جلبة يا أمير المؤمنين. إنا فررنا قريشاً كلها، فوجدناك آمنها عهداً، وأوفاها عقداً، فإن تف فأهل الوفاء أنت، وإن تغدر فإنا خلّفنا خلفنا خيلاً جيادا، وأذرعة شدادا، وأسنة حدادا، وإن شئت لتصفين روعة صدورنا بفضل رأيك وحلمك. قال: إذاً نفعل. قال: إذاً نقبل. قال: اخرج عني.
ثم قال: ائذن لجارية بن قدامة. فدخل وقضى سلامه، فقال له: إيهاً يا جويرية بني قدامة! قال مهلاً يا أمير المؤمنين، بل جارية بن قدامة يا أمير المؤمنين. إنا كنا نصار حرب يوم الفجار، حين حزمتم الغبار، وهمت قريش بالفرار. فقال له مه، لا أرضى لك، أنت الذي قريت أهل الشام ظباة السيوف وأطراف الرماح، قال: إي والله يا أمير المؤمنين إني لأنا هو، ولو كنت بالمكان الذي كان فيه أهل الشام لقريتك بمثل ما قريتهم به، قال: فحاجتك يا أبا فندش؟ قال: أما إنها إليك غير طويلة، تقر الناس في بيوتهم فلا توفدهم إليك، إنما يوفد إليك الأغنياء وتذرون الفقراء.
قال: ائذن لسماك بن مخرمة. فدخل وقضى سلامه. فقال: إيهاً يا سميك بني مخرمة! قال: مهلا يا أمير المؤمنين، بل سماك بن خرمة، والله يا أمير المؤمنين ما أحببناك