يركض قبره برجله ويقول: يا أبا الجعواء، أقرنا. فقال له بعض الصحابة: ما تخاطب من رمة قد بليت! وأجنهم الليل فنوموا، فقام صاحب القول فزعاً. فقال: يا قوم، عليكم مطيكم، فإن حاتماً أتاني في النوم وأنشدني شعراً وقد حفظته يقول:
أبا خيبري وأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة شتامها
أتيت بصحبك تبغي القرى ... لدى حفرة صخب هامها
تبغي لي الذنب عند المبيت ... وحولك طي وأنعامها
فإنا سنشبع أضيافنا ... وتأتي المطي فنعتامها
قال: وإذا ناقة صاحب القول تكوس فنحروها، وباتوا يشتوون ويأكلون، فقالوا: والله لقد أضافنا حاتم حياً وميتاً. وأصبح القول وأردفوا صاحبهم وساروا، فإذا رجل ينوه بهم، راكبا على جمل يقود آخر فقال: أيكم أبو الخيبري؟ قال: أنا. قال: إن حاتماً أتاني في النوم فأخبرني أنه قرى أصحابك ناقتك، وأمرني أن أحملك، وهذا بعير فخذه فدفعه إليه.
ويحقق هذا الحديث عند العرب، قول ابن دارة الغطفاني، وأتى عدي بن حاتم ليمدحه فقال له: أخبرك بمالي، فإن رضيت فقل. فقال: وما مالك؟ قال: مائتا صائية وعبد وأمه وفرس وسلاح، فذلك كله لك إلا الفرس والسلاح، فإنهما في سبيل الله عز وجل. قال: قد رضيت. قال: فقل، فقال ابن دارة:
أبوك أبو سفانة الخير لم يزل ... لدن شب حتى مات في الخير راغبا
به تضرب الأمثال في الجود ميتاً ... وكان له إذ كان حياً مصاحبا
قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ... ولم يقر قبر قبله الدهر راكبا