منهما، فطعن، فأخذ معاذ يرسل الحارث بن عميرة إلى أبي عبيدة بن الجراح، يسأله كيف هو؟ فأراه أبو عبيدة طعنة خرجت من كفه، فتكاثر شأنها في نفس الحارث، وفرق منها حين رآها، فأقسم له أبو عبيدة: ما يحب أن له مكانها حمر النعم، فرجع الحارث إلى معاذ فوجده مغشياً عليه، فبكى الحارث واشتكى عليه ساعة، ثم إن معاذاً أفاق فقال: يا بن الحميرية لم تبكي علي! أعوذ بالله منك أن تبكي علي. فقال الحارث: والله ما عليك أبكي. قال معاذ: فعلام تبكي؟ قال: أبكي على ما فاتني منك العصرين الغدو والرواح. قال معاذ: أجلسني، فأجلسه الحارث في حجره. قال: اسمع مني فإني أوصيك بوصية؛ إن الذي تبكي علي زعمت من غدوك ورواحك إلي، فإن العلم مكانه لمن أراد بين لوحي المصحف، فإن أعيا عليك تفسيره فاطلبه بعدي عند ثلاثة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود بن أم عبد - وفي رواية: وابن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:" هو عاشر عشرة في الجنة " - وأحذرك زلة العالم، وجدال المنافق، واحذر طلبة القرآن.
قال: سمعته يحدث أن معاذاً اشتد عليه النزع نزع الموت فنزع نزعاً لم ينزعه أحد، فكان كلما أفاق من غمرة فتح طرفه ثم قال: اخنقي خنقك، فوعزتك ربي إنك لتعلم أن قلبي يحبك.
فلما أن قضى نحبه انطلق الحارث حتى أتى أبا الدرداء بحمص، فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث، ثم قال الحارث: إن أخي معاذاً قد أوصاني بك وبسلمان الفارسي وبابن أم عبد، فلا أراني إلا منطلقاً قبل العراق. فقدم الحارث الكوفة ثم أخذ يحضر مجلس ابن أم عبد بكرة وعشياً، فبينما هو كذلك في المجلس يوماً قال ابن أم عبد: ممن أنت بابن أخي؟ قال الحارث: امرؤ من أهل الشام. فقال ابن أم عبد: نعم الحي أهل الشام لولا واحدة. فقال الحارث: وما تلك الواحدة؟ فقال: لولا أنهم يشهدون على أنفسهم أنهم من أهل الجنة. فاسترجع الحارث مرتين أو ثلاثاً ثم قال: صدق معاذ ما قاله لي. قال ابن أم عبد: ما قال لك معاذ يابن أخ؟ قال: حذرني زلة العالم، قال: والله ما أنت يابن مسعود إلا أحد رجلين، إما رجل أصبح علي يقين من الله ويشهد أن لا إله ألا الله فأنت من أهل الجنة، أم رجل مرتاب لا تدري أين منزلك. قال ابن مسعود صدقت يابن أخي إنها زلة