لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل. قال: لم يصبني إلا خير بحمد الله، قد أخبرني الحجاج بن علاط أن خيب فتحها الله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجرت فيها سهام الله واصطفى صفية لنفسه، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثاً، وإنما جاء ليأخذ ماله وما كان له من شيء هاهنا ثم يذهب، قال: فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل بيته مكتئباً حتى أتوا العباس عليه السلام فأخبرهم الخبر فسر المسلمون، ورد الله من كان من كآبة أوغيظ أو حزن على المشركين.
قال واثلة بن الأسقع: كان إسلام الحجاج بن علاط البهزي ثم السلمي، أن خرج في ركب من قومه يريد مكة، فلما جن عليهم الليل وهم في واد وحش مخيف قفر، فقال له أصحابه: يا أبا كلاب، قم فاتخذ لنفسك ولأصحابك أماناً، فقام الحجاج فجعل يطوف حولهم ويكلؤهم ويقول:
أعيذ نفسي وأعيذ صحبي ... من كل جني بهذا النقب
حتى أؤوب سالماً وركبي
قال: فسمع صوت قائل يقول: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا ولا تنفذون إلا بسلطان " قال: فلما قدموا مكة خبر بذلك في نادي قريش فقالوا: صدقت والله يا أبا كلاب، إن هذا مما يزعم محمد أنه أنزل عليه. قال: قد والله سمعته وسمعه هؤلاء معي، فبينا هم كذلك إذ جاء العاص بن وائل فقالوا له: يا أبا هشام، أما تسمع ما يقول أبو كلاب! قال: وما يقول؟ فخبروه بذلك. فقال: وما يعجبكم من ذلك، إن الذي سمع هناك هو الذي ألقاه على لسان محمد، فنهنه ذلك القوم عني، ولم يزدني في الأمر إلا بصيرة، فسألت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرت أنه قد خرج من مكة إلى المدينة، فركبت راحلتي وانطلقت حتى أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فأخبرته بما سمعت فقال:" سمعت والله الحق، هو والله من كلام ربي عز وجل الذي أنزل علي، ولقد سمعت حقاً يا أبا كلاب "، فقلت: يا رسول الله، علمني الإسلام. فشهدني كلمة الإخلاص وقال: سر إلى قومك فادعهم إلى مثل ما أدعوك إليه، فإنه الحق.